ستّون عاماً في لفافة قماش.. هل يستحق العمل من الإنسان كل هذا الفناء والإخلاص؟ «أن ما طواه الزمان عنا، واستأثرت به السنون، فمن الحكمة ألا نجهد أنفسنا في البحث عنه، فقد يكون عثورنا عليه صادماً، مظهراً لحقيقة كان الأولى أن تظل هكذا منسية مطوية لا يظهرها البحث، ولا يكشفها التنقيب» لأن لا شيء يحدث هكذا بلا سبب، أصبح سالفاتييرا فنان الصمت والخيبة، بعد إصابته بالخرس في طفولته إثر حادث سقوط من ظهر خيل، فقد لغة الكلمات لكنّة اهتدى للغة الألوان، قضى سالفاتييرا ستّين سنه في رسم لوحة واحدة، لا لشيء سوى لأيمانه أن الرسم لغة ستخلده بعد الموت،كان سالفاتييرا يرسم كل يوم لم يتوقف أبداً عن الرسم ولم يتوقف القماش الذي يرسم عليه أيضاً، لم يسمح لنفسه بالرجوع إلى الوراء مطلقاً، إن لم يعجبه شيء رسمه، فإنه يرسمه مجدداً ولكن لا يعود للوراء أبداً، في إحدى مراحل لوحته المكونة من عشرات الأمتار غاب توازنه بقليل من الأمتار عندما توفت ابنته غرقاً في النهر، أصبح سالفاتييرا يرسم زوايا خاوية ومتجّهمة وشرسة، سالفاتيرا حرص على أن يعيش حياة مجهولة لا دور له في الحياة الثقافية, ولم ينظّم معرض ابدأ, ولم يجر لقاء صحفي، سالفاتيرا مثّل حالة متطّرفة للفنان، لعرضه حياته الطويلة وسيرته الشخصية في «اثر» لا يظهر هو به إطلاقاً. عندما يموت سالفاتيرا بعد سنوات طويلة، ينشغل ابنا سالفتييرا في محاولة نشر عمل والدهما الضخم والأسطوري، يرغبان في متحف يخلد هذا الرسم المذهل والتوثيق لحياة سالفتييرا كفنان يثري الفن في بلده، ولكن العمل ناقص، هناك سنة مفقودة، لفة قماش تمثّل عاماً كاملاً، ينشغلان في تتبعها واستعادتها، لماذا فقدت لفة القماش هذه؟ أي سر دفنه فيها سالفتييرا؟ سالفاتيرا هو الشخصية الرئيسية في هذا العمل الحزين للكاتب «بيدرو ميرال» يقع في 130 صفحة من الحجم المتوسط, وقد امتلأت الرواية بالوصف الجميل للطبيعة والشخوص المجسّدة في لوحات سلفاتيرا, مصحوباً بصيّادين ومهربين في رحلة البحث الحزينة عن الأثر المفقود فالرسم خارج مكانة المفترض والرساّم خارج الزمان. يجتاز القارئ خلالها عدّة قرى أرجنتينيه , وبامتياز جسّد الكاتب الزهد في الأدب اللاتيني ونفحة الحزن الصامتة التي قد يشعر بها القارئ، وبالنظر إلى تاريخ قارة أمريكا اللاتينية نجدها تعرضت لصنوف البشاعة والقسوة والاستغلال بداية من الاستعمار الأوربي والأمريكي من بعده لفترة متأخرة جداً من القرن العشرين أن لم يكن حتى الآن، وقد شجعت هذه الأوضاع الحياتية التي عايشها كُتّاب ومفكرو القارة إلى خلق تيار (الواقعية السحرية الحزينة) كمعبر عن واقع الحداثة والإبهام الذي يغلف الوضع التاريخي لهذه المنطقة من العالم، وقد عبّر الكاتب الشهير حائز نوبل للأدب غابرييل ماركيز قائلاً «إننا نحن كُتّاب أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي ينبغي أن نُسّلم ونعترف بأن الواقع أفضل من جميعاً فقرنا وربما مجدنا كذلك هو أن نقلده بتواضع وبشكل أفضل في إطار المُتاح لنا».