تظل قرية ذي عين التراثية بمنطقة الباحة التي يعود تاريخها إلى مئات السنين, واحدة من أجمل وأبرز المواقع الأثرية على مستوى المملكة، نظراً لما تتمتع به من جمال في طريقة بنائها، وما تزخر به من مزارع شاسعة تغذيها عين القرية التي لم تتوقف على مر الزمان. وتضم القرية التي تقع على سفح تل من المرمر الأبيض 59 بيتاً ذات ارتفاعات مختلفة تتراوح من دور واحد إلى أربعة أدوار، يربطها عدد من الممرات التي تم اختيارها بعناية لتسهيل حركة المارة، في حين يأخذ مسجد القرية مكان الوسط بين البيوت ومزارع الموز والليمون والكادي. وتقع ذي عين في منحدر طريق عقبة الملك فهد الذي يربط سراة منطقة الباحة بتهامتها على مسافة 20 كيلو متراً من مدينة الباحة، وهي قرية مبنية من الحجارة مسقوفة بأشجار العرعر التي نقلت إليها من الغابات المجاورة، زينت شرفاتها بأحجار المرو «الكوارتز» على شكل مثلثات متراصة، ويوجد بها بعض الحصون الدفاعية التي أنشئت قديماً لحمايتها من الغارات أو لأغراض المراقبة. وما يميز قرية ذي عين الأثرية عن غيرها من القرى التراثية المتناثرة في منطقة الباحة التوليفة التي تحتويها من مبانٍ تراثية ومدرجات زراعية يتم تغذيتها عبر عين الماء التي تجري على مدار العام، وهي التي يتقاسمها المزارعون وفق نظام تم إقراره من قبلهم وهم ملتزمون به حتى اليوم. وتسعى الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني إلى حماية آثار القرية التي لحق ببيوتها خلال العقود الثلاثة الماضية الإهمال بسبب هجر أهلها لها وضعف ثقافة الزوار، إضافة إلى تأثير العوامل الطبيعية عبر عدد من المشروعات التأهيلية والتطويرية والإنقاذية. ففي بداية الأمر نفذت الهيئة مشروعاً لإعادة ترميم وتأهيل القرية بقيمة تفوق ال 4 ملايين ريال، شملت ترميم المسجد وعمل متحف للقرية وممرات مرصوفة بالحجارة وغيرها من الأعمال التأهيلية، صاحبه مشروع تحسين القرية ونفذته أمانة المنطقة بمبلغ 4 ملايين ريال، وتضمن إنشاء حديقة نموذجية، ومسطحات خضراء، وسفلتة الطريق الدائري للقرية، مع إنشاء قناة لتصريف مياه الأمطار وأعمال الإنارة. بعدها بدأت الهيئة في تنفيذ المشروع الإنقاذي للمباني الآيلة للسقوط بقرية ذي عين التي تسبب خطورة على مرتادي القرية وتسبب عدم تجانس في الرؤية البصرية، حيث أسند المشروع لإحدى المؤسسات الوطنية بتكلفة بلغت أكثر من 6 ملايين ريال. وقد رعى صاحب السمو الملكي الأمير مشاري بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة الباحة بحضور صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني العام الماضي, وضع حجر الأساس لمشروع تطوير قرية ذي عين التراثية وذلك بعد أن أعلن سمو رئيس هيئة السياحة عن دمج المرحلتين الأولى والثانية من مشروع تطوير القرية ورفع الاعتماد المالي من ستة ملايين إلى 16 مليون ريال، كما رعى سموهما توقيع اتفاقية تأهيل قرية ذي عين بين الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني ممثلة في مركز التراث العمراني الوطني وجمعية قرية ذي عين التعاونية التابعة للأهالي. وتتضمن خطة تطوير القرية ثلاث مراحل يستمر تنفيذها على مدار خمس سنوات، وتشمل إعداد الرؤية الاستراتيجية لتنمية القرية بشكل مستدام، وهي المرحلة الأولى التي تتضمن تأهيل الممر الرئيس للقرية، وإيجاد جلسات ومطلات على طول الممر وصولاً إلى شلال الماء، إضافة إلى إعادة افتتاح مسجد القرية الأثري، وتأهيل عدد من المباني لتكون المتحف الخاص بها، وإنشاء مركز للزوار، ومحلات تجارية لأهالي القرية.