كأنما كنت أرى أن الدموع مظهر الرحمة في نفوس الباكين؛ فلما أحببت الرحمة أحببت الدموع لحبها. أو كأنما كنت أرى أن الحياة موطن البؤس والشقاء ومستقر الآلام والأحزان، وأن الباكين هم أصدق الناس حديثًا عنها، وتصورًا لها، فلما أحببت الصدق أحببت البكاء لأجله. أو كأنما كنت أرى أن بين حياتي وحياة أولئك البائسين المنكوبين شبهًا قريبًا وسببًا متصلًا؛ فأنست بهم، وطربت بنواحهم طرب المحب بنوح الحمائم وبكاء الغمائم. أو كأنما كنت في حاجة إلى بعض قطرات من الدمع أتفرج بها مما أنا فيه، فلما بكى الباكون وبكيت لبكائهم وجدت في مدامعهم شفاء نفسي وسكون لوعتي. أو كأنما كنت أرى أن جمال العالم كله في الشعر، وأن الشعر هو تفجر من صدع الأفئدة الكليمة فجرى من عيون الباكين مع مدامعهم، وصعد من صدورهم مع زفراتهم.