رحلت "شقيقتي" بصمت وكأن الكون قد استكان لتنسحب من الحياة بهدوء.. تلاشت من أمام أعين من أحبوها شيئا فشيئا، لتودعنا بابتسامة الفراق ولنقابلها بدموع الاشتياق.. مضت "شقيقتي" لترتاح من أوجاع مرضها المريرة لترتاح.. وليترك فراقها المؤلم صورا تتجدد بعودة الذكريات معها.. لطالما زرتها وهي راقدة فوق سريرها الأبيض.. ولطالما توقعت هي الفراق! وأنا أهمس بأذنها: (لقد وهبك الله قلبا ينبض بالحب، وهو قادر على الاستمرار في الحياة أيتها الرائعة!).. حتى أراد الله أن تكون ليلة الجمعة من الأسبوع قبل الماضي ليلة رحيلها إلى ملكوت الرحمن.. لقد صارعت المرض والموت من أجل البقاء لمن أحبوها.. فكانت لنا الأم الرؤوم والأخت الحنون والصدر الدافئ.. كانت بالأمس معنا واليوم هي في سماء الرب الرحيم.. تركت برحيلها دروسا تعلمنا الصبر والتحمل على قضاء الله وابتلائه.. فقد تحملت الألم وتجرعت مرارة الوحدة.. أتذكر يوم قدمت لتعزية «أمي» بعد عودتي من المقبرة.. فانحنيت أقبل يمينها وأدعو لها بطول العمر، وكم تعجبت من رباطة جأشها وسكينتها، حينما رفعت عينيها الى السماء وعلى وجهها ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر تدعو ل»شقيقتي» بالرحمة والمغفرة والجنة، ولي ولأخواني بطول العمر. لم يرزقها الله بأبناء.. لكني وإخواني وأخواتي وأبناءنا مجتمعون كنا لها الأبناء والأنس والرفيق.. لم تشكو يوما من آلامها وأوجاعها.. لكننا كنا نشعر بوخز الوجع قبل أن تشعر هي به.. استحقت أن تتربع بحبها وعطائها ومساندتها لنا عروش قلوبنا.. صور هدوئها وسكون نفسها وصبرها على الألم ورضاؤها بالقضاء والقدر تتوالي أمام أعيننا لتكون نموذجا يحتذي به في معاني الإيمان الصادق بالله سبحانه وتعالى.. صور الذكريات مرت أمامي كشريط يستثير مشاعر الحزن في قلبي على فراقها.. طفولتنا التي عشناها سويا، شبابنا الذي تشاركنا أحلامه، كبرنا الذي اكتملت فيه خبراتنا.. كل شيء يتراءى في عيني، ضحكها بكاؤها، فرحها وحزنها، سعادتها وبؤسها، وقوفها بجانبنا مساندتها لنا.. لايمكن أن أنسى يوم جنازتها الذي بدا في عيني كعرس زفافها إلى رحمة الله.. حتى المعزون كنت أراهم المهنئون برحيلها – بإذن الله – إلى الجنة.. شعور بالفخر انتابني وأنا أرى تلك المجاميع التي جاءت من كل مكان تشيع جثمانها الطاهر الثرى.. أفضت "شقيقتي" إلى ما قدمت بعد أن استودعها الجميع مثواها الأخير.. أتذكر يوم قدمت لتعزية "أمي" بعد عودتي من المقبرة.. فانحنيت أقبل يمينها وأدعو لها بطول العمر، وكم تعجبت من رباطة جأشها وسكينتها، حينما رفعت عينيها الى السماء وعلى وجهها ابتسامة الرضا بالقضاء والقدر تدعو ل"شقيقتي" بالرحمة والمغفرة والجنة، ولي ولأخواني بطول العمر وهي تقول: (لقد اختار الله تعالى لأختك الراحة، وأرادها أن تكون بجانبه لتنعم برحمته نظير ما عانت من الآم، لقد رحلت أختك إلى "رب" هو أحن عليها مني.. فالحمد لله على قضائه).. هنا فقط استكانت نفسي وهدأت، ف"شقيقتي" في رحمة الله.. "أختي الغالية أنيسة" لن تفارق صورك مخيلتنا.. ولن تغيبي عنا بل ستبقي في ذاكرتنا وذكرانا.. موتك حقيقة مره.. تمنينا لو كان حلم أفقنا منه بمجرد أن استيقظنا.. تأكدي أننا حينما نتذكرك تتسارع دقات قلوبنا شوقا إليك.. وسنظل كذلك إلى أن نلقاك.. فراق من نحب صعب لكن الأصعب أن نراه يتألم ولا نملك له الدواء.. كم تألمنا عندما كنت ممدة على فراش المرض.. وعند لحظة وفاتك.. ليس قلبي الوحيد الذي يعاني فراقك.. بل قلب "أمي" الذي يتفطر لوداعك.. والجميع بكى رحيلك.. استكيني "شقيقتي" في سماء الله تعالى.. ليرحمك برحمته ويغفر لك بمغفرته.. وليسكنك فسيح جناته.. آخر المطاف : قال الله تعالى{كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام}.. صدق الله العظيم