(لا تبخل على نفسك ببعض الدموع، فالدموع النقية تطهر القلب) أعلم وتعلمون، كم هي عزيزة وأبية دموع الرجال، وكم يضنون بها ضناً، ويكابرون حتى في أعتى مواقف الحزن، كي لا تتساقط تلك الدموع الغالية، ويراها الغير، فتزول الهيبة! وكأن الدموع هي مقياسها، لا والله فهيبة الرجال وشموخه محفوظة. وفي مواقف الحزن وفقد الأحبة، وأنا أرى دموع الرجل، تهمى بكبرياء، أكبرها وأجلها، ويعظم صاحبها في عيني، لأنه لم يكابر ويقاوم وتركها تنساب ندية أبية، لتعبر عما يعتريه من هموم وأحزان، وتنطق بإنسانيته وأحاسيسه المرهفة. أنا لا أتخيل أن هناك رجالاً تعصف بهم أهوال ومآس، ويفقدون أحبة، فيبخلون بدموع نقية، تغسل أحزانهم وتطهر قلوبهم، وتخفف لوعتهم! حتى وإن كانت على انفراد ولا تراها الأعين! عندما يبكي الرجال على الغالين والأغلين، وتتساقط دموهم مدراراً، فهذا يدل على شفافيتهم، العالية، ورجولتهم الحقة، وحتى عندما لا يجدون الدموع، ولا تسعفهم، وتأبى النزول من محاجرها، فإن قلوبهم تبكي بدلاً من عيونهم، وأذكر موقفاً لرجل كان يتباهى بقوته، ويسخر ممن يذرفون الدمع مثل النساء، وينعتهم بالضعف، والليونة، وكأنهم ليسوا بشراً، وكأن بكاءهم في مواقف تستحق منهم البكاء جريمة لا تغتفر؟ لكن دارت الأيام دورتها، ورأيت الرجل نفسه (من أقربائي) يجلس وحيداً، منفرداً يغالب أحزانه، لفقد حبيب غال علينا، وسقطت رغماً عنه دمعتان طاهرتان، سارع بمسحهما فوراً، وتظاهرت بأني لم أرها! كي لا أجرح كبرياءه. عجباً عجباً، وكأن الدموع حلال على النساء، حرام على الرجال! مع أن سيد البشرية صلى الله عليه وسلم، وصحابته الكرام البررة والتابعين إلى جانب بكائهم من خشية الله، وهذا لا يحتاج إلى توضيح، بكوا وذرفوا الدمع الغالي في مواقف كثيرة تسحقها تلك الدموع الطاهرة، فهل انتقص ذلك من مكانتهم وفضلهم؟! إن ما ينتقص من الرجولة ويعيبها هو أن تتساقط دموع الرجال على مواقف تافهة، وعلى دنيا فانية، ومتاع زائل، وأناس غادرين، لا يستحقونها؟ فلا تحبس دموعك يا رجل، ولا تكابر، واسمح لبعض الدموع النقية أن تنزل لتغسل قلبك، وتطهر روحك الخيرة.. وستبقى برغم الدموع، رمزاً للرجولة والإباء والفخر.