بعيد إعلان تنصيبه وزيرا للزراعة استقبل المهندس عبد الرحمن بن عبدالمحسن الفضلي عدة سفراء لدول أجنبية في مكتبه بوزارته العتيدة، لكن لقاء آخر جرى خلال الأسبوع الماضي يمكن أن يغير المعادلة، ربما يصنف استقباله للسفراء على أنه للتهنئة أو المجاملة، لكن لقاءه بزميله وزير المياه والكهرباء معالي الدكتور عبد الله الحصين يمكن أن يغير المعادلة الزراعية، أو لربما ساهم في إزالة غموض كبير دفع المزارعون خلال السنوات الماضية ثمنه. الفضلي الذي يصنف على أنه ابن القطاع الزراعي، يرتبط بالقطاع من جانبه الغذائي من خلال قيادته لشركة المراعي العملاقة على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، التي تحولت في عهده إلى واحدة من أكبر شركات الأغذية، وساعدها للانعتاق من إنتاج الحليب والألبان إلى التفوق في أسواق العصائر، والمخابز، والأغذية، والتحول إلى الاستثمار الخارجي في الأردن، مصر، وأخيرا تملك شركات أعلاف في أمريكا الجنوبية. في ذات الاتجاه فهو مرتبط بالقطاع الزراعي من جانبه (الزراعي الخالص) من خلال استحواذ المراعي على شركة حائل للتنمية الزراعية. أزمة المياه يعرف الفضلي جيدا المشكلة الكبرى للقطاع الزراعي السعودي والمتمثلة في ندرة المياه، وهو كان أكثر المتفاعلين مع توجهات الدولة نحو ترشيد المياه من خلال إعلان شركته آنذاك الاستغناء بالكامل عن الأعلاف المحلية والتوجه نحو الاستيراد، بل إنها سبقت الجميع في المبادرة نحو استيراد كميات الأعلاف التي تحتاجها لإنتاج ماتصدره من منتجات، ورفضت الأخذ بالمهلة الممنوحة لها، مختصرة الزمن أربع سنوات. زراعي أم مائي؟ لكن الفضلي يعرف أيضا (ولابد أنه يعرف) أن هناك معادلة يمكن أن يؤخذ بها لتحقيق التوازن من خلال التركيز على تشجيع الزراعة ودعمها بقوة، على أن تحقق الاستدامة من خلال ترشيد المياه، والاستفادة من التقنيات العالمية في هذا المجال، وهو بلاشك يعرف أيضا أن ذلك يحتاج إلى فتح باب الحوار مع وزارة المياه للوصول إلى نقاط تفاهم تحافظ على الثروة المائية أولا، والعمل على استثمار التجربة الزراعية السعودية الثرية، وذلك من خلال رؤية موحدة، تحتاج بلاشك إلى إخراج ا-ستراتيجية المياه من الأدراج خاصة أن الاستراتيجية الزراعية التي يعمل عليها منذ عشر سنوات مربوطة بها، بحيث يتم تفعيل الميزة النسبية للمناطق السعودية في اختيار المحاصيل، بدلا من ترك المزارعين يبحثون عن بدائل القمح الذي سيكون هذا الموسم هو الأخير ولو على الأقل نظريا، حيث ستتوقف المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق عن شراء القمح المحلي، والاعتماد الكلي على الاستيراد من السوق العالمية. إشكالية القمح؟ مزارعو القمح - وهو الأكثر في القطاع - يرون أن قضيتهم يجب أن تعود إلى الصدارة في عهد الوزير الجديد، ويبحثون عن جدار يستندون إليه في تفعيل قرار ترشيد المياه 335 الصادر عن مجلس الوزراء في 1428، من خلال تطبيق جميع فقرات القرار خاصة تلك التي تشير إلى مساعدة المزارعين على التحول نحو زراعات أكثر ترشيدا للمياه، والنظر في تعويض المزارعين المتضررين، من خلال تعويضات مجزية تساعدهم على دخول مجالات أخرى، خاصة أنهم يملكون أراضي ومعدات زراعية وبنية تحتية لايمكن استخدامها إلا في زراعات مثل القمح أو الأعلاف، وبالتالي فإن تحول المزارع الصغير مربوط بمدى تشجيعه نحو التحول إلى محاصيل جديدة. فشل التسويق الزراعي لكن حتى التحول المنتظر يشوبه مشاكل أخرى تتعلق بالتسويق الزراعي، ويعرف - الوزير الجديد خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن - أن أقل مايمكن أن يقال عن التسويق الزراعي أنه فاشل حاليا، حيث تسيطر العمالة الأجنبية على كثير من المزارع، فضلا عن سيطرة السماسرة على الأسواق الزراعية في المدن الكبرى، ويتقاضون الجانب الأكبر من هامش الربح. هذا الملف يحتاج في الوزير إلى الضغط - كما يقول أحد المتابعين - على الصندوق الزراعي لتفعيل مبادرات الكثيرة التي أعلنت منذ أكثر من أربع سنوات، لكنها لاتزال أحاديث ورش عمل لم تجد الطريق نحو المزارع الذي مل الانتظار. سلامة الغذاء الملف الآخر الذي ينتظر أن يفتحه الوزير الكيميائي الفضلي، هو ملف جودة المنتجات الزراعية وسلامتها، وذلك من خلال حماية المستهلك من أضرار متبقيات المبيدات التي تشير بعض الدراسات إلى ارتفاعها النسبي في الدراسات التي أجريت على الأسواق القليلة التي أجريت عليها، وذلك بسبب الافتقار إلى مختبرات عالية الجودة يمكن أن تكون حائط صد ضد أي تسرب من المنتجات التي تعالج بالمبيدات ولا يطبق المزارع فيها فترات التحريم. يشار هنا إلى أغلب الأسواق السعودية لاتوجد بها مختبرات، إذا لاتوجد سوى في سوق جنوبي الرياض، وبعض المحاولات الخجولة من أسواق أخرى. تنمية الريف في شأن آخر، يرى بعض المراقبين أهمية العمل على تنمية الزراعة الريفية في الجنوب السعودي، خاصة في المنطقة الواقعة من الطائف جنوبا وصولا إلى الباحة وقراها، حيث أهملت خلال العقود الماضية لصالح الزراعة بالرشاشات المحورية في الوسط والشمال السعودي. إطلاق مبادرة من هذا النوع يمكن أن تسد حاجة الأسواق من منتجات الفاكهة الجنوبية الشهيرة، والتي افتقدتها الأسواق بسبب كثير، كما أنها يمكن أن تكون وسيلة للتنمية الريفية الجديدة خاصة في ظل وصول الطرق إلى هذه القرى. ويقول سكان في قرى الطائف، إن تشجيع هذا القطاع الذي يعتمد على المياه السطحية والمطرية سيكون فرصة كبرى لو نظر لها بعين فاحصة. استيراد اللحوم سيكون من أهم الملفات المنوطة بوزير الزراعة الجديد، العمل على تقليص استيراد الماشية الحية قياسا على الأمراض التي تنقلها، والفاتورة العالية التي تدفع من أجلها. وهذا يتطلب - وفق مراقبين - تفعيل مبادرة الحد من الفاقد والهدر في الأغذية التي - أطلقت العام الماضي بالتعاون مع عدد من الجهات الحكومية.