مما يدل بجلاء على أن سحب شهادة الدكتوراه من الباحث سعيد السريحي بعد أن منحت له بسبعة أشهر مظلمة مكشوفة؛ أن دراسته النقدية لا شأن لها بالقضايا الدينية أو الفكرية أو ما يمكن أن يؤثر على أي من اتجاهات الجماعة بالنقض أو الهدم؛ فدراسته نائية عن كل هذا، وصلتها بالماضي الأدبي البعيد في اللغة الشعرية عند المحدثين في العصر العباسي أكثر من صلتها بالحاضر؛ ولكن الرغبة الكامنة عند إدارة الجامعة ألا ينخرط أكاديمي مختلف عن التيار في سلك أعضاء هيئة التدريس قد لا يتفق مع ما تؤمن به من فكر وما تأخذ به من منهج، والسريحي -آنذاك- كان مع ثلة من الناقدين في أوج حماسته واندفاعه نحو تيار الحداثة وأطروحاتها الفكرية والنقدية، وفي خضم صراعه ومن لف لفه من المندفعين نحو تيار الحداثة مع التيار المتطرف المتشدد الذي كان نواة أولى لما تفرع عنه من جماعات غالية تكفيرية وغير تكفيرية ممن عاثوا في أرضنا وأرض العرب والمسلمين فساداً وخراباً تحت لا فتات مختلفة تلتقي جميعها تحت شعار واحد؛ هو مواجهة الجدة والحداثة والانفتاح والعصر واستخدام العنف الأيدلوجي والجسدي، ورفع السلاح في وجه كل من لا يرضى بالأفكار المتطرفة ويذعن لها قسراً. لقد اختطفت جماعة الإخوان المسلمين مجتمعنا كله؛ وليس السريحي وحده أو من ضيم من المثقفين أو المفكرين! جناية ما سمي ب»الصحوة» جناية كبرى على بلادنا كلها، أعادتها إلى الخلف قروناً وأدخلتها في معتركات سياسية عربية ودولية، وورطت أبناءنا في أعمال إرهابية بمناطق متعددة من العالم؛ ليس في نيويورك 11 من سبتمبر 2001م فحسب؛ بل في مناطق الصراع والأتون الملتهبة والنزاعات والحروب كافة. كانت جناية الفكر الصحوي الحزبي الإخواني لا على فرد؛ بل على أمة. لقد اختطفت الصحوة مئات الآلاف من السعوديين؛ وليس السريحي وحده! فلا عجب أن يذهب أكاديمي ضحية معلنة مكشوفة للتيار الصحوي ثلاثة عقود سخية اشتغل فيها وأسس وبنى أجيالاً ولا زلنا نتألم مما يقترفه التطرف باسمنا في كل أنحاء العالم وليس في وطننا فحسب. وبالمناسبة أتحدث عن تجربة صغيرة مررت بها قبل سعيد السريحي؛ فقد عينت معيداً في كلية اللغة العربية عام 1401ه؛ ولكن الشروط التي أمليت علي جعلتني بين خيارين؛ إما أن أكون صحويا وأترك الكتابة والإعلام الذي كنت في أولى خطواته آنذاك أو أن أنجو بنفسي وأدع الإعادة وأكون كما أريد وأواصل دراستي وأبحاثي مع عملي في وزارة الإعلام وانتظامي في التحرير الصحفي الأدبي، وهو ما فعلته، وعدت إلى الجامعة بعد أن عدلت مسارها الفكري. إن من حق سعيد السريحي رفع قضية على الجامعة التي حرمته شهادته التي يستحقها؛ بسبب الاختلاف الفكري كما يبدو ونرجح، وإن كانت كذلك؛ فهي مظلمة واضحة مكشوفة لا غبار عليها، لكني لا أطالب المظلوم برفع قضية؛ بل أطالب معالي وزير التعليم العالي الدكتور خالد السبتي بأن يتولى هذه القضية بنفسه بدافع علمي ووطني وإنساني داعم للعدالة؛ فيشكل لجنة محايدة من الأكاديميين تطلع على تقارير اللجنة وحيثيات الجامعة التي انطلقت منها؛ فإن رأت أن الباحث وقع فيما يستوجب حرمانه الدرجة أقرت ذلك؛ وإلا أنصفته من جامعته التي جارت عليه. ولا شك أن سعيد السريحي طليعة موهوبة فذة ليس في حاجة إلى شهادة يطرزها في برواز؛ فهو أكبر من مجاهيل لا قيمة لشهاداتهم ويتبوؤون مواقع وظيفية هامة ويتكسبون بحرف «الدال». أثبت الباحث المضام أن أدبه وفكره أكبر من حرف «دال» مستحق ضنت به جامعته عليه؛ فواصل عطاءه بصبر وجلد وتعفف وكبرياء عن التوسل وطلب رفع المظلمة.. إن إنصاف وزارة التعليم سعيد السريحي إعلان حقيقي للتطهر من آثام مرحلة الصحوة وجنايتها على المجتمع كافة.