لا نستطيع الجزم بأي حال من الأحوال بأن ما يتحدث به الشخص أو ما يظهره من قناعات هو انعكاس فعلي ومباشر لما يدور في خلده أو ما يشعر به، لكنه بكل تأكيد ترجمة فورية للمستوى الفكري والثقافي والمعرفي الذي يحمله ذلك الشخص. إن الجانب اللغوي في أي عملية فكرية أو حوارية أو تربوية جانب محوري، وله تأثيره الفعّال على سير ونتيجة هذه العملية. فالأسلوب الجميل في الحديث له أثر إيجابي على المستمع، وله ارتداد لا يقل إيجابية على نفسية المتحدث أيضاً؛ لأن النفس ميالة بفطرتها إلى الليّن من القول واللطف في الكلام؛ فهذا مما يسرها ويريحها، ويكسبها الطاقة الإيجابية، بعكس الشدة والقسوة في اللفظ التي غالبا ما تنتج الصدود والنفور وعدم الارتياح، وتساهم في تكون المشاعر والانطباعات السلبية. إن طريقة تحدث الشخص تشكّل أحد المرتكزات المهمة في تقييمه، فالكلمات الممزوجة بطابع الفوقية والعبارات السيئة أو السوقية غالباً ما تخدش الصورة أو التصور عن الإنسان، وبشكل خاص المثقف أو ذو الوجاهة. وعلى العكس أيضاً، إذا أتت الكلمة والعبارة الجميلة من شخص ذي مستوى تعليمي أو مهني متواضع أعلت من قيمته، وصنعت له مزيداً من التقدير والاحترام. والأسلوب في أغلب الأحيان يُحترم أو لا يُحترم بقدر محتوى الكلام، أو ربما أكثر. ومما يؤصل لهذا الأمر أن في القرآن الكريم حثاً واضحاً على اختيار الحَسَن من القول، قال تعالى: {وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً}. إن الكلام الجميل والأسلوب الجاذب في الحديث لا يأتي للإنسان إلا بالمكاسب، سواء على الصعيد الشخصي أو الاجتماعي أو المهني أو غيرها. فعلى الصعيد الشخصي، يكون الشخص قادراً على تبرير وتمرير أفكاره ومواقفه، والدفاع عن نفسه وحقوقه بتمكن وسهولة، ويستطيع أيضاً تغطية بعض مواطن الضعف في محتوى كلامه من خلال آليته وطريقته في الكلام. وعلى الصعيد الاجتماعي تتشكل محبة الإنسان، وتتوسع دائرته الاجتماعية بقدر لا يستهان به على مهارته في صياغة الكلام وانتقائيته المفردة المهذبة واللطيفة. أما في نطاق العمل فتعتمد إنجازات الفرد ونجاحاته بشكل ملحوظ على الذكاء اللغوي والقدرة العالية على التخاطب مع زملائه ومرؤوسيه داخل بيئة عمله. من الصعوبة بمكان حصر القيمة والأهمية للجانب اللغوي وتأثيراته، خاصة في هذا المجال الضيق، لكننا يجب أن لا نقلل من شأن هذا الأمر الذي يعتبر من أهم الأمور التي تشكل أحد معايير الحكم على الأشخاص، ويبلور نظرة وانطباع الناس عن بعضهم، بل يسهم بشكل فاعل في الوصول إلى أهدافهم ومبتغياتهم.