فجعنا يوم العاشر من محرم بأخبار مجزرة الأحساء التي طالت فيها رشاشات الاغتيال المقصود أطفالاً ونساءً ورجالاً من الأحساء الحبيب. تم ذلك في عقر دارهم من متسللين إرهابيين جاءوا يحملون سم أفكارهم الإقصائية بتخطيط وقصد عمد لإحداث الفوضى، في مناسبة تعني الكثير للطائفة الشيعية على مدى أكثر من ألف عام. و لكن الشيعة ليسوا الفئة الوحيدة التي يستهدفها هذا الفكر العقيم.. ففي اليوم التالي اغتالت رصاصاتهم الغادرة اليائسة رجال الأمن في بريدة وحائل, كما فعلوا قبلها في شتى أنحاء الوطن الممتد من حدودنا مع العراق والأردن شمالاً إلى حدودنا مع اليمن وحضرموت جنوباً. عظم الله أجر ذويهم جميعاً شيعة وسنّة وربط على قلوبهم.. ورحم الشهداء ضحايا الترويع , وشهداء الواجب الذين استشهدوا في القيام بواجبهم الأمني. إنّ لمنسوبي الأمن البواسل شكراً وتقديراً يستحقون به التكريم والتقدير أحياء وشهداء عند ربهم يرزقون. ولوزارة الداخلية الشكر لكونها بتيقظها نبهت أهل الأحساء لترقب محاولات إرهابية يقصد بها تفجير الفتنة، بتوليد ردود الفعل الغاضبة ضد ما سينفذون من شر. ولا عجب أن تكون وزارة الداخلية متيقظة لما يحدث ومستعدة للقبض على المجرمين إن نفّذوا مخططات الشر وحدث ما يتمنونه من ترويع دموي. الفكر التكفيري الذي خطط ونفذ لجريمة اغتيال المواطنين الشيعة في الأحساء, هو نفسه الفكر الإجرامي الذي خطط ونفذ محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف حين كان نائب وزير الداخلية, وقبلها خطط ونفذ لاحتلال الحرم من قبل 3 عقود. وما زلنا نجني عبر هذه الجرائم حصاداً مراً لنتائج سنوات متراكمة من بناء الشحن الطائفي, والتأليب على ولي الأمر الشرعي , وتكوين الخلايا المتخفية, والمتاجرة بشعارات متأسلمة تدعو إلى إيقاف التوجه المستقبلي ومواكبة العالم وتقنياته وقيم احترام حياة الإنسان وحقوقه , وتدعو إلى العبث السياسي ورفع السلاح في وجه الآخر. وتخفي وراء هذه الشعارات المبهجة ببريق الدعوة للعودة إلى الدين وجهاً حقيقياً كالحاً يسعى للوصول إلى السلطة السياسية؛ إن لم يكن فقط نجومية المنابر المغوية, والاستفادة المادية من مردود الظهور على الفضائية الناشرة للفتن. فكر دموي هدام له مقاصده الدنيوية يتلبّس ملابس الدين وينحرف بالقيم إلى استغلال المرأة وحتى الأطفال في تحقيق أهدافه دون أي وازع.. ولا يجب أن يترك بلا رادع. هذا الفكر يجب أن يواجه بصورة حاسمة ليخنق على كل الجبهات العامة وليس الأمنية فقط: لابد من تطهير المؤسسات العلمية والدينية والإعلامية، وحتى النشاطات الدعوية والمجالس المنزلية التي اندست فيها العقارب السامة تبث سمومها في النشء. و لابد من تحرك ليس فقط رادع حالياً بل ناجع مستقبلياً , فقد خرج حاملو ألوية التثوير من مرحلة التعشيش في خلايا مستترة إلى الفحيح على المنابر الإعلامية، للتأجيج وشحن الأرض والقلوب بالطائفية والإقصائية البغيضة، وزرع الكراهية وتشجيع العدوانية الدموية. لابد من إغلاق قنوات وبرامج الشحن الديني والطائفي والمذهبي العاملة في استقطاب الدعم المادي من المفتتنين بها في البث المسموع والمرئي وساحات التواصل الإلكتروني. كما يجب إغلاق قنوات الإباحية وما يحض على تمزيق القيم. كلها تنخر في قيم الترابط المجتمعي للبناء وتؤسس للهدم والتدمير والفرقة وإضعاف لحمة المواطنة وقوة التأهب المجتمعي. قلوبنا مع من استشهدوا وعقولنا مع من سيطهرون الوطن من النخر.