أعود لقراءة ما كتبته في هذه الزاوية قبل الإجازة لأوضح وضع قضية الإرهاب المحلي في إطارها الحقيقي زمنيًّا وجغرافيًّا: زارت اللجنة الأمنيَّة بالشورى مركز «المناصحة» قبل أشهر، وقدم لنا مسؤولون عرضًا مستفيضًا عن كل ما يمر به الموقوفون من إجراءات، بين لحظة القبض على الشخص بناء على تحريات أو بلاغ من أسرته أو من غيرها من المصادر، حتَّى لحظة إطلاق سراحه بعد التأكَّد من توبته. وطلبنا مقابلة موقوفين والحوار معهم شخصيًّا حول تجربتهم ومشاعرهم. ولا شكَّ أنهَّم أعطونا الإجابات الموائمة للموقف. من الصعب التأكَّد أن من يعلن توبته قد تاب فعلاً، أو أنَه أعلنها فقط ليطلق سراحه. لا شكَّ أن هناك من أنقذوا من براثن التضليل والاستغلال في تنفيذ العمليات الإرهابيّة. والله يعلم أن الجهود المبذولة ليست قليلة وأن أعداد من يقبض عليهم ليست قليلة أيضًا؛ بل ازدادت في الفترة الأخيرة. وأشك أن من لا يقبض عليهم أكثر بمرات مضاعفة، فجيش «داعش» إن صح أن نسميه جيشًا لم يأت من فراغ، بل من استقطاب أعضاء من كل أنحاء العالم الموبوء لخلايا نائمة. ولا شكَّ أن هناك أفرادًا وشبكات ممولة أو داعمة، نحدس وجودهم أحيانًا، كما نحس بأعشاش أفاعٍ تحت الرمل، تطل برؤوسها وهسيسها مستعرضة سم أنيابها في شبكات التواصل الاجتماعي. ليس كل من ينجح في برنامج المناصحة يقدر نعمة ان قدمت له فرصة أخرى للنجاة من الموت متفجرًا والعودة إلى ثقافة التعايش. قرأت في صحيفة «الحياة» يوم الجمعة 13 رمضان نقلاً عن عضو لجنة المناصحة عبد الله السويلم أن «معدل من يعودون للانتماء للفئات الضالة والجماعات الإرهابيَّة بعد مناصحتهم في السجون يقدر بنحو 5 في المئة، مؤكِّدًا أن جذب الجماعات الإرهابيَّة «الخوارج» الشبان الصغار إليهم عبر وتري العبادة والدين ووتر مواجهة الظُّلم والاستبداد، مشيرًا إلى أن الصديق الخاص لأحد منفذي هجوم شرورة حاول الوصول إليه ومناصحته من «سجن الحائر» بعد اهتداء الأول واعترافه بمسلكه الخاطئ، إلا أنه لم يرتدع. وذكرت الصحيفة رصدها عددًا من التغريدات في موقع التواصل تويتر لمعرف أحد المساجين السابقين، يدعو للموالاة لدولة الخلافة الإسلاميَّة، ودعا عبد العزيز العتيبي ثمانية آلاف متابع في تغريدة كتبها «أدعو إلى موالاة المؤمنين والهجرة والجهاد، مرفقًا صورته الشخصيَّة ومؤكِّدًا أنه كان سجينًا سابقًا التحق أخيرًا بإحدى الجماعات الإرهابيَّة». وأكَّد السويلم، في تصريح إلى «الحياة»، دور لجان المناصحة في هداية الكثير من أصحاب الأفكار الضالة، مشيرًا إلى أن معدل من يعودون إلى ما كانوا عليه وينتمون للجماعات الإرهابيَّة بعد مناصحتهم لا يزيد عن 5 في المئة. وقال: «المناصحة عمل لا بُدَّ منه مثل وجود الطّبيب في المستشفى والمعلم في المدرسة فلا بُدَّ من النصح والتوجيه، والذين استفادوا من المناصحة عدد كبير ليس بالقليل، ومن تمَّت مناصحتهم من فريق المناصحة استفادوا وخرجوا من السجون وأصبحوا أشخاصًا ذوي فائدة في المجتمع، منهم من عمل في القطاع العام ومنهم من عمل في القطاع الخاص، وكونوا الأسر وسلكوا الطريق المحمود والسبيل القويم، واستدرك «ولكن يبقى من في نفسه شيء من الهوى فلا تذهب نفسك عليهم حسرات وذلك أمر طبيعي». توقفت عند إجابة السؤال حول عودة الشبان بعد المناصحة لما كانوا عليه، قال: «نحن لا ننظر إلى ثمرة العمل فهو بيد الله، بل هل هو مشروع أم لا، فإذا عملت الدَّولة ما عليها والمناصحة عملت ما عليها، بعد ذلك ليهلك من هلك على بينة، ويحيى من حي على بينة، فذلك قدر الله». تساءلت هل هي فقط قضية «إنقاذ» شباب مضللين مصرّين على استمرارهم في طريق الضلال؟، أم قضية حماية الوطن مما يضمرون له؟ وما يستطيعون أن يسببوا من أضرار كقتل حرس الوطن وأي مواطن يصدف أن يكون في موقع يستهدف لتفجير مؤسساته؟ أكَّدت مصادر رسمية في وزارة الداخليَّة أن منفذي هجوم شرورة هم من المعتقلين سابقًا الذين تَمَّ الإفراج عنهم بعد مناصحتهم. وأشار تصريح قبل يومين إلى أن متابعة ال59 الذين أطلق سراحهم بعد المناصحة ساهم في الإيقاع بال88 المنتمين لخلايا إرهابية. وهذا جيد إِذْ يستبق حدوث الضرر المخطط له. وفق الله حماة أمن الوطن. ويبقى الآن ضرورة النظر بحيادية فكرية وإجابة السؤال: كيف وصلنا إلى الحال الراهن؟ كي نستطيع العمل على تعطيل روافد الشر.