نحن بحاجة إلى استراتيجية شاملة لمواجهة الإرهاب بغض النظر عن كيف وصلنا إلى الحال الراهن. بعد أحداث شرورة التي راح فيها أربعة من منسوبي الأمن على يد إرهابيين من خريجي برنامج المناصحة مرتدين بعد إطلاق سراحهم عن توبتهم المعلنة، يقول مسؤول في برنامج المناصحة متألما: «أخشى كل ما أخشى أن تستغل حادثة شرورة الأخيرة ومثل هذه الأحداث للتقليل من دور الجهات الأمنية أو التقليل من دور المناصحة والتوجيه، فهؤلاء شبان صغار..». الحقيقة أن ما يخشاه هو ما حدث فعلا، فوضع البرنامج تحت المساءلة، فنحن لا نبحث في رسوب 5% من تلامذة أبرياء بعد برنامج تقوية معلوماتية، بل نتفحص نتائج برنامج مكلف شملت إطلاق معتقلين عادوا لممارسة إجرامهم مهددين أمن الدولة، ومثيرين توجس المجتمع. القائمون على المناصحة معذورون في شعورهم بأنهم تحت المجهر وأن عليهم توضيح نتائج البرنامج في حالات فشله في تحقيق أهدافه. وليس البرنامج فقط من يقع تحت طائلة المساءلة المجتمعية. أتفق مع الأخ عبد الله السويلم حين يضع بقية النقاط على السطور حول اتساع نطاق من يحملون المسؤولية في التعامل مع قضية الإرهابيين الشباب: «هذا دور لجان المناصحة ويبقى دور جهات أخرى منها القضاة والمحققون والشؤون الإسلامية والمدارس والجامعات فلها دور كبير، فالقاضي يجب أن يعرف كيف يواجه هؤلاء، والمحقق يجب أن يقوم بإقناعه حتى يعترف بقضيته تعبداً لله لأنه يزعم بأن هذا العمل يقربه إلى الله». خبير علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب، المستشار الأمني في إمارة منطقة القصيم د. يوسف الرميح، طالب بمتابعة لاحقة للسجناء بعد خروجهم من السجن، وأوضح في تصريحه أن المناصحة تكون لجميع السجناء قبل الإفراج عنهم، وإن نشاز بعض منهم لا يعني قصوراً في المناصحة الحالية ، مؤكداً نجاحها إلى حد كبير، وأضاف «المناصحة تتم داخل السجن فإذا خرج السجين يختلط بأصدقائه القدامى ويرجع لما كان عليه، وهنا يكمن هدف وجود المناصحة اللاحقة، وهي التي تتم بعد الخروج من السجن إذ يتابع السجين بعد إطلاق سراحه، وهو ما لم ينفذ بعد، وتكون هذه المناصحة بعد خروج السجين إلى عامين أو ثلاثة، وبذلك يدرأ خطر تأثير الرفاق القدامى عليه، فهم يؤثرون على الشاب أكثر من تأثير المناصحة عليه. بناء على العرض الذي قدم لنا عند زيارتنا لمركز المناصحة ، المتابعة اللاحقة موجودة فعلا على أرض الواقع إلى حد ما.. ولكن إن خرجوا وهم ما زالوا مؤمنين بفكرهم المتطرف يكون قد سبق السيف العذل. ومثل د. الرميح أرى من المهم أن يكون للجهات الأمنية برنامج وقائي إليكتروني لمتابعة المعرفات التي تبث سم التأجيج والاستقطاب، وأن يتاح للمواطنين التواصل مع هذه المواقع الأمنية، بحيث أي شيء يشتبه فيه أن له تماسا مع جوانب أمنية ولو بسيطة «يتم التنبيه أو بيانه عبر إرساله إلكترونيا للجهات الأمنية، وعند مشاهدة أي شيء مشبوه يتم إرساله عن طريق البريد الإلكتروني أو هذه المواقع، استغلالاً للوقت وسرعة وصول المعلومة». فعلا التواصل الإلكتروني أسرع من استخدام الهاتف. أدعو إلى ضرورة تنفيذ استراتيجية لتجفيف منابع الإرهاب وعلاجها من جذورها في محاضن التوجيه المجتمعي العام كالمدارس والجامعات والمساجد والمعسكرات الشبابية والجلسات التأليبية المستترة في المنازل؛ وكذلك نصحت بالتدقيق في اختيار أعضاء لجنة المناصحة واستبدالهم بمن هم واضحو الموقف والتوجه الفكري والولاء عند اتخاذ القرار. وهي استراتيجية ضرورية شاملة لوقف استمرارية رفد المتعاطفين أو دعم المنتمين لتلك الجماعات المتطرفة عبر التوجيه والأدلجة. و ما أعنيه بالتدقيق في اختيار المناصحين هو تخيرهم من المتخصصين في العلاج النفسي، وألا يكونوا من المتعاطفين مع مناصري الجماعات الإرهابية الموقوفين بالسجون. إن محاولة علاج المتطرفين أشبه بمحاولة علاج شخص معلول، ما لم يتم علاجه من قبل مختص في المرض الذي يعاني منه لن يحصل على العلاج الناجع، وسيستمر المرض الذي ابتلي به وقد يعدي من يقترب منه.