يرتكز الإعلام السعودي منذ تأسيسه وتنظيمه المعاصر على مبادئ واضحة أرْستها وحدَّدتها السياسة الإعلامية في المملكة التي تنطلق من الدين الحنيف وتعاليمه وقيم المجتمع وتقاليده ولذلك فقد جعلت حرية التعبير في وسائل الإعلام مكفولة ضمن الأهداف والقيم الإسلامية والوطنية وأكّدت على قيام وسائل الإعلام بتوثيق روابط الحبّ والتآزر بين أفراد الشعب السعودي كما جعلت الموضوعية أساساً مهماً في عصر الحقائق والبُعد عن المبالغات والمهاترات وتقدير شرف الكلمة ووجوب صيانتها من العبث مع البعد والترفّع عن كل ما من شأنه أن يثير الضغائن ويُوقظ الفتن والأحقاد. وكثيرة هي المبادئ التي رسختها السياسة الإعلامية في المملكة منذ نشأت الإعلام الرسمي المنظّم فيها، تلك المبادئ التي وجدت أنه من المهم والضروري أن نتوقف أمامها قبل التطرّق إلى هذا الموضوع البالغ الأهمية فهو يرتبط بثقافة الأفراد وبكيان المجتمع وتماسكه وبمكانته في الحاضر والمستقبل. وليس ذلك القول من قبيل المبالغات بعد أن بات واضحاً للعيان من خطورة الإعلام في بناء الفكر وتحديد التوجهات وبناء السلوك في نفوس الناس في وقت أصبح فيه العالم يعيش في قرية كونية واحدة وامتلأ فضاؤها واختلط بالصالح والطالح من الأفكار، واحتشدت فيه عوامل الهدم ومعاول التدمير التي باتت تغزو الشعوب في فكرها وعقلها ومعتقدها وأصبحت بعض القنوات الفضائية من حولنا تعتمد على إثارة الضغائن والأحقاد وبث الإشاعات المغرضة عبر برامجها المسمومة في إطار تنفيذها لأجندات صارت معروفة ومكشوفة بعد أن انفضح سُّرها الخفي الذي ظل متستراً وراء دعاوى برّاقة أو شعارات مزيّفة مغلوطة. ولسنا في حاجة إلى إقامة الدليل على أن برامج ووسائل وأدوات بعض القنوات الإعلامية صارت تستخدم كسلاح هدَّام يوجه نحو استقرار الدول بما تبثه تلك القنوات من تزييف للحقائق والإشاعات المصنوعة بمستوى عالٍ من المكر والدهاء والخديعة. وإذا كان ذلك معروفاً ومفضوحاً على المستوى العالمي وفي ساحة الإعلام الدولي فهل نكتفي نحن هنا في المملكة بمجرد العلم أو المعرفة أو إبداء الارتياح لأننا اكتشفنا تلك الحقائق؟ بالطبع لا، فإن مسؤوليات الإعلام في هذه الأيام هي جدُّ خطيرة، وإن كانت مسؤولية الإعلام السعودي هي أكثر خطورة، وأكبر أهمية لطبيعة المملكة التي تحتضن أقدس بقاع الأرض، وتقوم على خدمة الحرمين وضيوفهما، فقد تضاعفت هذه المسؤوليات بحكم ما يحيط بنا من أحداث خطيرة هدّدت كيانات الدول وتركت بصمات بعيدة الأثر على حاضرها ومستقبلها وكان للإعلام دوره المعروف في تلك الأحداث. وإن كانت وسائل إعلامنا لا تزال في مجموعها تتصف في أدائها بالمسؤولية - ولله الحمد- إلا أن نُذر الخطر المحدقة بنا تجعلنا جميعاً أمام واجباتٍ وطنية لحماية الوطن من حقد أعدائه وحسد مُبغضيه، والوقوف صفاً واحداً خلف قيادتنا الحكيمة الواعية وأن يكون الجميع في مختلف مواقع العمل والفكر والإنتاج على مستوى المسؤولية وأن يصبح إعلامنا السعودي على أكبر قدر من المهنية في الأداء الذي يُجَمِّع ولا يفرِّق، يقرب ولا يُباعد، لا يجري وراء التقليد الأعمى لبعض البرامج التي لا هدف لها إلا الإثارة والإثارة فقط سعياً لما يُسُّمونه - كذباً - كسب الجمهور، وهي دعاوي زائفة يظُنها القائمون على البرامج أنها تكسبهم أرضاً في فضاءات الإعلام، بينما هي تمثِّل معول هدم في كيان الوطن. أشير إلى ذلك - وبكل أسف- في ظل تلك التقاليع التي بدت تُطلُّ علينا ببعض البرامج الحوارية أو تلك التي تظُّن أنها تكشف الحقائق أو تعبّر عن نبض الشارع، تقليداً لبعض البرامج المعروفة، وجرياً أحياناً وراء الشهرة المقيتة التي تهتم بالإعلامي أكثر من اهتمامها بالمادة الإعلامية، فلا ترى أمامها إلا ما تحسبه سلبيَّات، فتنظر فقط إلى نصف الكوب الفارغ من المشكلة فتبتعد عن قول الحق، فتثير الضغائن حتى تصل إلى تجاوزات غير محسوبة الأبعاد، فهي لا تجري إلاَّ وراء الإثارة فتظن أن الإنصاف والحقيقة والصدق في عرض الموضوع بجميع جوانبه لا يحقق الإثارة المستهدفة فنرى أمثال هؤلاء يسيرون على خطٍ واحد يحقق لهم أغراضهم الشخصية فيكون تجاوزهم لكافة الخطوط المهنية التي تقرّها طبيعة أخلاقيات الإعلام المنصف المتوازن، فإذا بهم حين يُتركون وشأنهم يصلون إلى الخطوط الحمراء يتجاوزونها وكأنها في ظنهم انتصارات يحققونها حين يهاجمون مؤسسات وطنية لها شأنها في بناء الوطن وتطوره واستقراره. بل وفي رفع مكانته. إننا أمام أمرٍ نرجو ألا يتحوَّل إلى ظاهرة فيصبح الإعلام مُسلطاً برامجه فقط على السلبيات ويتناسى المنجزات الوطنية في جميع الميادين، إننا نخشى أن تصبح بعض البرامج امتداداً لسياسات قنوات خارجية معروفة بعدائها لاستقرار وطننا، إننا لا نُشكك في وطنية أحد تربَّى في أحضان وطنه على القيم الإسلامية النبيلة والتقاليد المجتمعية العربية الأصيلة، ولكن الخشية كل الخشية أن تُصبح بعض هذه البرامج بداية لفتح ثغرات عبر الإعلام غير الهادف وغير الموضوعي الذي يتناسى أو ينسى تلك السياسات الراسخة في وطننا التي تقوم على المحافظة على الحقوق وصيانتها للجميع، والسهر على راحة المواطنين ومحاربة كل بوادر الفساد أو الإفساد حماية لهذا الوطن وحرصاً على استقراره وتنميته وتطوره.فيا رجال الإعلام أنتم حُرّاسٌ على ثغرة من ثغور هذا الوطن، ونحن نثق في قدراتكم وإمكاناتكم وحرصكم على أداء واجباتكم الوطنية في هذه الفترة العصيبة، فلا تركنوا إلى بعض البرامج التي تجعل سلبية تمثّلها حفرة أو مطب صناعي تطغى على إيجابياتٍ عظيمة تتحقق في مختلف قطاعات الوطن التنموية، وافتحوا لنا قلوبكم .. فالحديث له بقية.