يحكى أن حاتم الأصم قال لأولاده ذات يوم إني أريد الحج وكان فقيراً، فبكوا وقالوا: إلى من تتركنا؟ فقالت ابنته الصغيرة لهم: اسكتوا دعوه فليس هو برزاق إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين، فاقتنعوا بكلامها وأذنوا له بالسفر. فلما سافر باتوا جياعا ليس عندهم ما يأكلونه وجعلوا يوبخون البنت، فدعت بسرها قائلة: «اللهم لا تخجلني بينهم»، ومر يومان على هذه الحالة وهم يزدادون جوعاً وبنفس الوقت يزدادون توبيخاً لهذه البنت الواثقة بربها وفي الوقت الذي كانوا فيه على هذه الحالة كان أمير البلد أبو جعفر المنصور الذي هم فيه خارجاً في رحلة للقنص والصيد وبعد انتهائه من الرحلة وبالتحديد عند دخوله أول البلد شعر بعطش شديد وأراد أن يشرب الماء لكن وافق أن جميع المياه التي في الموكب نفدت ..واشتد به العطش ..فقال لأحد جنوده اذهب إلى هذا البيت واطلب منهم شربة ماء فامتثل الجندي الأمر وطلب شربة ماء للأمير ووافق أن أهل هذا البيت هم أهل حاتم الأصم ولما ناولوه الماء وشربه الأمير فاستطعمه وكأنه يشرب الماء لأول مرة من شدة العطش. نوى الأمير أن يكافئ أهل الدار الذين سقوه الماء فسأل: بيت من هذا؟ فقال له أحد حاشيته إنه بيت حاتم الأصم يا مولاي - وكان حاتم معروفاً بالصلاح عند أهل البلدة - وأخبره إنه ذهب للحج ولم يترك لأهل بيته النفقة الكافية, ما إن سمع الأمير بهذا الخبر حتى رمى المنطقة (صرة الذهب ) التي كان يلبسها من ذهب -الحزام الذي يلبسه- وقال لأصحابه: من أحبني فليفعل مثل فعلي ..فرمى حاشيته كلهم مناطقهم الغالية، فجاء أحد التجار واشتراها كلها بمال جزيل فاستغنى أهل حاتم الأصم بمال فوق الثراء. وطارت زوجة حاتم وبناتها من الفرح ولم يصدقوا ما حل بهم من تحول من فقر مدقع إلى غنى فاحش. وكلهم كانوا يضحكون غير مصدقين إلا البنت الصغيرة فإنها جلست تبكي! فقالت لها أمها مستغربة: ما يبكيك وقد وسع الله علينا؟ فقالت: مخلوق نظر إلينا نظرة واحدة فاستغنينا..فكيف بالخالق جل جلاله الذي سخر لنا هذا المخلوق.