تتجه ليبيا للتحوُّل إلى صومال أخرى في أفريقيا، لكن هذه المرة في موقع أكثر تأثيراً وخطورةً على العرب والأوروبيين معاً.. إذ إن موقع ليبيا في قلب الشمال العربي الأفريقي وامتلاكها لسواحل طويلة على البحر الأبيض المتوسط وقربها من أوروبا، حيث لا تفصلها عن السواحل الجنوبية لأوروبا سوى كيلو مترات قليلة، وخصوصاً قربها من إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، كما أن ليبيا تمتلك محزوناً بترولياً مكَّنها من أن تصبح دولة منتجة للبترول، ويؤدي انتشار الفوضى فيها وتحكُّم المليشيات بمصيرها إلى الإخلال بالتوازن الاقتصادي الهش الذي يُعاني منه العالم، كما يُؤدي أيضاً سيطرة هذه المليشيات على مراكز تصدير البترول وإنتاجه إلى تقوية هذه المليشيات وجعلها أكثر قدرة على تمويل عملياتها المسلحة.. وكون ليبيا تشارك مصر وتونس والجزائر والسودان وقربها من منطقة العنف المسلح في الصحراء الأفريقية، وكثرة الأسلحة التي استولت عليها المليشيات المسلحة بعد سقوط نظام القذافي الذي كدَّس أسلحة تكفي لاشتعال المنطقة عشرات السنين، وقد لاحظنا كيف انعكس تدفق الأسلحة سلباً على الوضع في مصر، حيث وصلت أسلحة نوعية إلى الجماعات الإرهابية في مصر، وبالذات إلى شبه جزيرة سيناء مما صعَّب من مهمة الأجهزة الأمنية في مصر.. كما انعكس الوضع سلبياً على تونس ووصلت الأسلحة إلى مالي وباقي الدول الأفريقية الأخرى. الوضع في ليبيا وتأثيراته السلبية إستراتيجياً وأمنياً ستكون أكثر خطورة وتأثيراً من الصومال، لعدة أسباب من أهمها وفرة السلاح في ليبيا وتعدد المليشيات المسلحة المؤدلجة والتي تنخرط جميعاً في مجموعة (الإسلام السياسي)، وهذه المجموعات تمتلك خبرات قتالية وتنظيمية تفوق نظيرتها في الصومال والتي تقلصت إلى واحدة تقريباً (شباب الصومال) المرتبط بتنظيم القاعدة، في حين تتعدد المليشيات الليبية المسلحة والتي تجمع بين الجماعات التابعة لتنظيم القاعدة وجماعة الإخوان وحركات الجهاد والتكفير الأخرى، والتي أصبحت مسرحاً لاختراق العديد من أجهزة المخابرات الدولية والإقليمية.. وهو ما يُفاقم الأمر في ليبيا ويفرض تحركاً عربياً وأوربياً بالذات، لأن ترك الأوضاع تتدهور في ليبيا سيكون مؤثراً جداً على الأمن الإستراتيجي لأوروبا ولشمال أفريقيا العربي.