أوصت دراسة عن العنف ضد الأطفال بزيادة الرقيب الداخلي، وتعزيز الوازع الديني، واستشعار ونشر هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - في التعامل مع الأطفال، وتفعيل المنظمات والجهات الخيرية ذات الاختصاص واستحداثها، وتسهيل الوصول للطفل المعنف، ونشر طرق ذلك والعناية التامة بالطفل المعنف، ومن قام بالتبليغ، ومحاربة البطالة، وفرض العقوبة، وتطبيق الشرع والقانون بصورة حازمة، وكذلك إعداد البرامج التثقيفية والتوجيهية من خلال الوسائل والإمكانات المتاحة. ودعت إلى دراسة حالات العنف دراسة علمية مستفيضة؛ لاستكشاف الجوانب العضوية والنفسية والاجتماعية التي تحتاج إلى العلاج، ووضع برامج وقائية وتعليمية وخدمات وأنشطة؛ بهدف الوقاية من الإساءة قبل حدوثها وتزويد الآباء بالمعارف والمهارات في التربية الصحيحة وحسن إدارة سلوك الأطفال، وكذلك العناية بالأسر المهيأة للعنف ولديها قابلية له لتخفيف آثاره السلبية ، ووضع البرامج الرياضية الهادفة؛ فتدريب الطلاب ذوي السلوك العنيف على ممارسة الألعاب الرياضية قد يؤدي إلى انخفاض معدلات العنف مع أقرانهم، باعتبار أن الرياضة متنفس يمكن من خلاله أن يقوم الطلاب بالتعبير عن النزعات العنيفة والعدوانية لديهم بشكل مقبول اجتماعياً، وهناك استراتيجية أخرى ترى التقليل من عدد الطلاب، فالمدارس الصغيرة يكون فيها تحصيل الطلاب مرتفعاً، ويكون العراك والمشاجرات أقل والعنف كذلك. جاء ذلك في دراسة أعدها الشيخ فهد بن إبراهيم الفعيم حملت عنوان: (العنف ضد الأطفال.. الأسباب والعلاج) حيث قال في بدايتها: إن الأطفال هم شموع المستقبل وبراعم الغد، وهم نور البيت وبهجة الحياة، إذا أُعدوا إعداداً صالحاً كانوا نِعم غراسٍ لأينع ثمار، إلا أنه في الآونة الأخيرة قد أُسيء إلى هذه الفئة الغالية على قلوبنا، فكانوا كبش فداء لعدة ضغوط وأسباب، وصاروا شحنة تفريغ لعدة اعتبارات، هم منها براء ولا ذنب لهم، وظهر وسمٌ لتلك التعاملات السّيئة معهم، سُمي مؤخراً باسم: « العنف ضد الأطفال ». وشددت على ضرورة تدريب الأطباء والإخصائيين الاجتماعيين والنفسيين والمعلمين ورجال الشرطة على مهارات الكشف المبكر والتدخل المبكر عند اكتشاف ممارسة العنف ضد أحد الأطفال. يرى بعض الباحثين أن استخدام العلاج باللعب من أفضل أنواع العلاجات للتعامل مع الأطفال الذين تعرضوا للعنف؛ نظراً لصعوبة استخدام العلاج النفسي التقليدي مع هذه الفئة، وذلك بسبب محدودية لغتهم وصعوبة فهمهم لها، وصعوبة تعبيرهم عن ما بداخلهم. وحملت الدراسة الإعلام مسؤولية كبيرة في الحد من هذه الظاهرة، وبيان الأسباب والعوامل والآثار والنتائج، كما يمكن للإعلام أن يساهم في استثارة الرأي العام وكسب تعاطفه مع قضية الأطفال الذين مورس ضدهم العنف، وكذلك تقديم التجارب المحلية والإقليمية والعالمية في مواجهة هذه الظاهرة، وتقديم المعلومات والحقائق والجوانب الخفية لهذه الظاهرة، وقد وجد ميثاق شرف للإعلاميين في مجال حماية الأطفال من العنف. ودعت إلى إنشاء مركز متخصص لمتابعة المشكلات التي يواجهها أفراد المجتمع للدراسة والبحث العلمي والتدخل المهني ، مشيرة إلى أن بعض الباحثين يرى إدخال مادة جديدة في المناهج الدراسية؛ تهتم بتدريب الطلبة على كيفية السيطرة على الغضب، وأساليب استخدام حل المشكلات والمنازعات. كشف الفعيم أسباب العنف ضد الأطفال منها: وجود اضطرابات نفسية ومشكلات انفعالية عند الآباء، فتجد بعض الآباء عنده اضطرابات نفسية؛ أو استعداد وراثي لها، فيكون الأطفال متنفسا وكبش فداء لتلك الاضطرابات، وقد يكون الآباء أنفسهم كانوا مُعنفين من قبل ومروا بتجربة تربوية قاسية؛ فتنقل الشدة عبر الأجيال؛ حيث أظهرت بعض الدراسات أن الآباء المسيئين والمعنفين لأطفالهم، قد عاشوا هم تجربة صعبة وتربية عنيفة ، فأصبح العنف متوارثا ومتسلسلا، والتخلف العقلي أو التوحد الذي يصعب اكتشافه؛ فيعتقد المعنف للأطفال أنه عناد صادر منهم، وهو في الحقيقة قصور في الطفل؛ فقد تتطور حالتهم إلى مراحل متقدمة ويصعب علاجها، وتكون مستعصية إذا عنفوا في المراحل الأولى من المرض ومثله الإعاقة الذهنية أو البصرية، أو السمعية أو الحركية؛ قد تكون عاملاً في التمييز ضد الأطفال وإساءة معاملتهم. وواصل قائلاً: ومن أسباب العنف ضد الأطفال تعاطي المخدرات والكحوليات والغياب الطويل عن الأطفال؛ سواء كان ذلك بالسفر أو السجن؛ له دور كبير في العنف. وكذا التفكك الاجتماعي والأسري ومشكلات الطلاق، لها دور كبير في العنف، وكذلك ظروف العمل وضغوطه وحالات البطالة؛ فالعوامل الاقتصادية لها أثر فاعل في العنف ضد الأطفال، وكبر حجم الأسرة والعناد المستمر من بعض الأطفال، ووجود الخادمات في المنازل؛ وكذلك نظرة الوالدين إلى الطفل وعدم رغبتهم، أو خيبة أملهم فيه وفي قدراته؛ نتيجة توقعاتهم غير الصحيحة وغير المنطقية عن سلوك طفلهم وعن قدراته العقلية. وقد يطلب من الطفل أمور فوق طاقته ومقدراته؛ أو لم يراع الفروق الفردية، فيسقط عليه وابل من أنواع العنف إذا خالف التوقع المراد أو المطلوب، من نشأ خارج أُسرته كالأيتام ومن في حكمهم؛ فيسهل تعنيفهم والإساءة إليهم، لعدم وجود المناصر لهم، وجهة نظر في التربية خاطئة؛ تتمثل في أن الشدة في التعامل أسهل طريق لترويض الأطفال وإذعانهم؛ مهما بلغت الخسائر في الأطفال، وقصور بعض الأنظمة والتشريعات حول محاسبة المعنف. وأشار معد الدراسة إلى أنه قد يصاحب قدوم الطفل أحداث وظروف محزنة: خسائر مالية، وفاة عزيز، فتصاحبه حالة من الشدة طيلة فترة وجودة مع أسرته، الطفل منها بريء، ومن آثار ذلك تقاسم الوالدين الأبناء داخل الأسرة؛ فبمجرد ما يُحبّ أحدهما، يحابي الآخر ويعطف عليه، فتتشكل الأحزاب داخل الأسرة؛ بل ربما صدر منهم عبارات: هذا ابنك، وهذا ابني!، وخوف المربي من صدور أخطاء من الطفل في المحافل والمجالس العامة، فيتوجه إليه بضربة استباقية بتكبيته وتهزيء مباغت، وإظهار براءته من القصور في التربية، وللأسف هذا كثير في مجتمعنا. واستعرضت الدراسة بعضاً من نتائج العنف ضد الأطفال وأضراره، حيث تكمن الخطورة إذا عرفنا أنه من واقع الخبرة الإكلينيكية أن آثار الصدمات وأحداث العنف لا تختفي مع الزمن، فقد تتطور وتتحول إلى حالة مزمنة وطويلة المدى، ودوران العنف فينتج لنا عنف آخر ودائرة عنف جديدة؛ فيصبح هذا الطفل عنده عنف تجاه الآخرين، وسيمارس العنف لاحقاً مع عناصر بيئته، مع أصدقائه وزوجته وأطفاله، كما أن انخفاض الثقة بالنفس لدى الطفل المعنف، ومشاعر اكتئاب وردود فعل سريعة، والتوتر الدائم والشعور بالخوف وعدم الأمان، ويتبلد الحس لديه والإحساس بالدونية والعصبية، وأحياناً يمارسون السرقة والكذب والتنكيل بالحيوانات وكلامهم قد يتسم بالعنف، وضعف في المستوى الدراسي والقدرة على التركيز وغياب متكرر عن المدرسة. ومن النتائج كثرة تعرض الأطفال للكوابيس وتوهم المرض، والتبول اللاإرادي وصعوبة التفكير وحل المشكلات، واضطرابات في الأكل والنمو الجسمي الجيد؛ فهم أقل وزناً من غيرهم ويظهر عليهم اضطرابات الكلام والتلعثم، وانخفاض مستوى الصحة وآلام في المعدة، وأن الطفل الذي يتعرض للتحرش الجنسي قد يسعى إلى علاقات جنسية غير مشروعة في حياته المبكرة، وممارسة أنماط سلوكية جنسية غير ملائمة، كما أن الطفل الذي يتعرض للعنف المدرسي له مضار؛ منها عدم المشاركة في الأنشطة وانخفاض التحصيل الدراسي والتحصيل العلمي، والتسرب من المدرسة بشكل دائم أو مؤقت، والتشتت وعدم الانتباه وقلة التركيز. ومن النتائج كذلك انتماء الطفل المعنف وخاصة في مرحلة المراهقة لجماعات خطرة من الأقران سيئ السمعة؛ فقد يمارس السرقة ويرتكب الجرائم ويشكل تجمعات من عصابات الأطفال، وقد يهرب من المنزل هروباً كاملاً ويشكل هذه الجماعات. وقد يهرب الأطفال ذهنياً بطرق أخرى عن طريق تقمص أشخاص أو أبطال مسلسلات كرتونية قوية، تعوضهم عن التألم من حالة المهانة التي يعانون منها، وتظهر في البنات خاصة حالة الهروب الذهني في أحلام اليقظة والرؤى النهارية لبطلات جميلات يحظين بإعجاب من حولهن. وكان الباحث قد عرف في بداية دراسته العنف من حيث: مفهومه وأنواعه، ثم عرض جانباً من تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الأطفال، واهتمامه بهم، ثم تناول أسباب العنف ضد الأطفال، ونتائج العنف ضد الأطفال وأضراره ثم قدم العلاج والتوصيات، وقال في تأكيده على أهمية هذه الدراسة كون محورها شريحة مهمة من المجتمع: إذا أُسيء إلي هذه الشريحة فقد هُدم كيان كبير من المستقبل المنتظر لهم والمدخر، فهم عماد المستقبل - بإذن الله - وإذا هيئت لهم البيئة والمحضن السَّوي السَّليم؛ أبدعوا وأعطوا، وكذلك قدّموا الشيء الكبير لأنفسهم ولمجتمعهم، وما فيه عز دينهم ودنياهم وفلاح آخرتهم؛ أيضاً فيه تبصير وإرشاد لمن يتعامل مع الأطفال وتوعيتهم، سواء الآباء أو المربين وكذا من في حكمهم؛ بأن يحسن التعامل مع هذه النسمة المباركة الطاهرة، وأن لا يكون معول فساد وإفساد لهم وإضرار، ويُضْحي سبباً في إطفاء نورٍ، وثلمة قدحٍ قد لا تنجبر؛ مهما ضُببت وأُصلحت، وأن يُرشد إلى فنون وأخلاقيات ومهارات للتعامل مع الأطفال؛ سواء السَّوي من هؤلاء الصغار؛ أو من عنده قصور وخلل خلقي أو أخلاقي وما في حكمهما. وختم الباحث دراسته بالقول: إن الأطفال هاجسهم كبير وحملهم عظيم؛ الكل يهمه أمرهم؛ سواء على مستوى الأفراد أو المجتمعات أو الدول، ومربينا الأول وقدوتنا عليه الصلاة والسلام اهتم بهم وأحسن إليهم تارة؛ على الرغم من كثرة أشغاله وفارق السن بينه وبينهم تارة أخرى، كما أن العنف يجب تحديده ومعرفة مقياسه، وكذلك تحرير معناه؛ وحتى لا يكون أداة لتحريض الأبناء على آبائهم أو يستغل بطريقة سيئة، وقد ذكرت في هذه الورقات أسباب العنف ونتائجه وبعض طرق العلاج، وما يعد عنفاً عند بعض المعاصرين وحقيقته الشرعية، هذا ما تيسر لي الكتابة عنه، وإلا فالموضوع مهم جداً؛ فكم موهوب قد أسيء إليه، لو أعطي الفرصة وأحسن له لأبدع وأنتج وقدم لنفسه ودينه ووطنه الشيء الكثير.