يقول الفلكيون بأنّ الليلة في هذا اليوم تبدأ في نقصان وقت الليل، وزيادة في وقت النهار في الغد..! تستهويني شؤون الطبيعة كثيراً..، بل تحرك فيَّ الكثير من الأشواق، ومتعة التأمل،.. وفضولي، ولهفتي، وقاموسي، ومعجمي.. وأعود أتذكر كيف مرقْتُ بفعل إغراء الكتابة عن رغبة والديَّ، ومعلماتي في المدرسة اللاتي كن يدرسننا «الجبر»، و«الهندسة»، و«العلوم» و«الفيزياء»، و«الرياضيات»، و«الكيمياء» إلى المسار «الأدبي»، بينما كن يلححن عليَّ أن أنحو إلى لمسار «العلمي»، حين كان التوجه لأحد المسارين يتم بناءً على نتائج المقررات في السنة الأولى في المرحلة الثانوية، وعلى رغبة «الطالبة»...، تخيلت يومها أن الدراسة في مسار العلوم سيقصيني عن ذلك الشغف الذي كنت به أشم رائحة أوراق الجريدة، ودفاتري، ومدوناتي.. وكتبي، وحين لا أفرش كل مساحاتي بالورق، وأزينها بأقلام الرصاص متقنة البرْي في كل زاوية..، وبالدواة من ذوات الأحبار الأزرق، والأسود، والأحمر، والأخضر..، فإن فتنة الأقلام لم تكن تشدني إلا في حضورها..، بينما تكشَّفت لي الحقيقة فيما بعد عكس ذلك ..، إذ كان يمكن أن يَتْرى، ويَثرى الشغفُ، وتتضاعف همة الإبحار..!! ومع ذلك بقيت أتابع السحب في كل حالاتها، ومواسمها، والغيوم، والنجوم، والرعود، والبروق، والغابات، والأنهار، والثرى والمناجم، ومراسيل المطر، وسطوة الريح، ومواكب النسيم، ونزول وارتحال المواسم، مع حفيف الشجر، ومد.. وجزر البحر..، ولمعة النيازك، وأنباء الفيضان، وغضبة البركان، وتراكم الصخر، وبقايا الأحياء الأموات في باطن الأرض، وعلى سطوحها، في الجبل، والربوة، والغابة، والشعاب، والمروج، والأدغال..، وفي كل بديع في خلق الرحمن في عالم المجرات، والسدم، والشموس، والأقمار.. والأرض.. والبشر، والطير، والزاحف، والسابح، والإنسان..!! حتى عندما تعرفنا على ثرى قمرنا الوحيد الذي تهل به أيامنا، وتنتهي به شهورنا، وتفيق على نوره ليالينا، وتغفو عند أفوله، لم يتحول وجهه الترابي في محض ذاكرتي..، وبقي هو القمر رمز الجمال، وأنيس الرُّحَّل، ومستفزُّ شجو الحدّائين.. الليل حين يطول، له وجه آخر مع الثكالى ..، والحزانى ..، والفاقدين ..، والخائبين ..، والبائسين..، والمودعين..!! وفي الشتاء مع المبتردين ..، والعراة المنكوبين..، والمنعَّمين المستدفئين..!! وفي الربيع مع الحالمين، خضر المخيلات، والقلوب..!! والنهار حين يقصر، له موقف آخر من الكادحين العاملين ..، المنتجين..، والمحتاجين..، والراكضين..، والمقتنصين لأرزاقهم..!! الليل في طوله، وقصره، له وقعه في نبض المريض..، وشوق الغائب..، ولهفة المستقبِل..، ودمعة المنتظر..، وفيه تطول أحلام الآملين.. وتتسارع توقعات اليائسين.. الليل كما إنه سكن فطري في ناموس الكون..، فهو بوتقة الإنسان.. مخبأ النوايا..، والآمال..، والدموع..، والبسمات..، والفرح..، والحزن..، وهو ستر المتوسلين..، المتبتلين..، الوجلين..، الخاشين..، الراجين..، اللاجئين..، الباكين..، النادمين..، التائبين..، المقتربين..، والمغتربين عن الدنيا.. هو مأوى ما في الصدور..!! سبحان من خلق الوقت، وقدر الليل فيه والنهار، .. ووازن بين الساعاتِ ثوانيها مداً، وقصْراً..