ربما تكون وفاة المناضل الحقيقي، الجنوب أفريقي، نيلسون مانديلا مدخلا جيدا للحديث عن النضال، وعن ماهيته، فليس كل من امتطى سيف النضال مناضلا، فالنضال له اشتراطاته، وهو ليس ترفا يمارسه كل انتهازي يبحث عن مصلحة ذاتية، كما هو حال البعض في دول العالم الثالث، ومانديلا عانى الأمرين على مدى عقود طويلة، في سبيل وطنه، وبني قومه، والذين جاء البيض، وبالذات الإنجليز، والهولنديين من أقاصي أوروبا، فسرقوا أراضيهم، وحريتهم، وليس هناك أشنع من أن يسرق الغريب ثروات وطنك، ويزيد بأن يستعبدك في أرضك، وهذه كانت ماسأة المواطنين السود في جنوب أفريقيا، أو جوهرة القارة الأفريقية، كما يطلق عليها الإنجليز . كان بإمكان مانديلا أن يصمت، ويستنفع، كما فعل كثيرون غيره. هذا، ولكنه آثر أن يكون ثائرا، ومدافعا عن مواطنيه المسحوقين، وكانت نتيجة ذلك السجن، والقهر، والتعذيب على مدى عقود، وحتى عندما خرج من السجن، كان بإمكانه، وبما يملكه من رصيد شعبي هائل، أن يحكم تلك الجوهرة الغنية لأطول مدة ممكنة، وكان بإمكانه أن يكون أحد أثرياء العالم، وكان بإمكانه أن يورث الحكم لمن يريد من عائلته، ولكنه، وكما كان حرا، صاحب مبادئ في نضاله، فقد واصل هذه المسيرة، حتى بعد أن أصبح الرجل الأقوى، وقد ترك كرسي الحكم لمن هو أكثر أهلية منه، ثم عاش بقية حياته بهدوء، دون أن يستغل شعبيته، أو سلطته يوما، وهو في هذا يسير على غرار المناضلين الأحرار على مر التاريخ. ومانديلا ليس المناضل الحقيقي الوحيد، فقد تزامن معه المناضلان الأمريكيان، مالكوم اكس، ومارتن لوثر كنج، زعيما نضال الحقوق المدنية في الولاياتالمتحدةالأمريكية، في منتصف القرن الماضي، عندما كانت أمريكا في حرب مع نفسها، ومع أن كنج كان مسالما، على غرار المهاتما غاندي، ورفيقه في النضال، مالكم اكس كان ثوريا، عنيفا، إلا أن الرجل الأبيض المتحكم في مفاصل الدولة الأمريكية تعامل معهما على أنهما عدوان لدودان، فقد كان الرجل الحديدي المتحكم في أمن الأمة الأمريكية هو السيد ادجار هوفر، مدير المباحث الداخلية الأمريكية (اف بي آي)، والذي تولى هذه المسؤولية على مدى أكثر من خمسة عقود، وكان يطلق عليه لقب «مرعب الرؤساء الأمريكيين»، إذ يقال إنه كان يخفي ملفات سرية تتعلق بكل رئيس، وكان يبتزهم بها، وهناك الكثير من الأفلام التي تحدثت عن هذا الأمر بعد وفاته، فمنهما هؤلاء المناضلين الشرفاء؟! .. سنتحدث عن ذلك.