أمير تبوك يستقبل رئيس مجلس بلدية معان بالمملكة الأردنية الهاشمية    أمانة القصيم تحتفي بيوم العلم السعودي بتزيين الطرق والميادين ب 24,236 علمًا    مكافأة من بيولي للاعبي النصر    أمير تبوك يدشن حملة جسر الأمل    نائب أمير تبوك العلم مناسبة غالية تمثل مصدر فخر واعتزاز ورمز للتلاحم والوطنية    مستشفى أحد رفيدة يُنفّذ حملة "صُم بصحة"    جمعية أضواء الخير توزّع أكثر من 5,000 وجبة إفطار صائم    رابطة مشجعي مانشستر يونايتد "قلقة" من عواقب الملعب الجديد    يوم العلم رمز السيادة والانتماء    بطولة "مدرك" الرمضانية.. رياضة تنافسية ورسالة توعوية بجازان    الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفروعها تحتفي بيوم العلم    بتوجيه من سمو ولي العهد.. المملكة تستضيف محادثات بين أمريكا وأوكرانيا في جدة    تعليم جازان يحتفي بيوم العلم بفعاليات تعزز قيم المواطنة والانتماء    وزارة الداخلية توضح المواصفات القياسية للعلم الوطني السعودي    ارتفاع الصادرات يعكس نجاح رؤية 2030 ويعزز التنوع الاقتصادي    باحثات سعوديات يدرن مركز الترميم والمعالجة بمكتبة المؤسس    "الحواسي" يستعرض مع قيادات تجمع القصيم الصحي فرص التحسين والتطوير    أخصائي شؤون طلابية: احموا المدارس من العدوى    تعاون بين دي إم جي إيفنتس و Messe München لإقامة معرض IFAT في المملكة العربية السعودية عام 2026    البرلمان العربي يرحب باتفاق اندماج المؤسسات المدنية والعسكرية السورية    أوكرانيا تثني على بداية "بناءة" للمباحثات مع الولايات المتحدة في السعودية    وزارة الداخلية توضح محظورات استخدام العلم السعودي    أمير المنطقة الشرقية: مجتمعنا يتميز بالتكاتف والتعاضد    هطول أمطار في 7 مناطق.. والشرقية تسجل أعلى كمية ب 6.2 ملم في حفر الباطن    نمو اقتصاد اليابان بمعدل 6ر0% خلال الربع الأخير    مساعد رئيس مجلس الشورى تستعرض أمام لجنة المرأة بالأمم المتحدة مسيرة تمكين المرأة في مجلس الشورى ومشاركتها بصنع القرار    رابطةُ العالم الإسلامي تُدين قرارَ حكومة الاحتلال الإسرائيلي قطع الكهرباء عن غزة    العلم السعودي.. احتفاء برمز الوحدة والفخر    التعليم.. و تطبيق تجارب الآخرين    الاحتلال قطع الكهرباء ودمر محطات المياه ومنع إدخال المساعدات.. تحذيرات أممية من جوع وإبادة جماعية في غزة    في إياب ثمن نهائي نخبة آسيا.. الأهلي لتأكيد التأهل أمام الريان.. والهلال لتخطي باختاكور    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. ليفربول الأوفر حظاً للتأهل.. وليفركوزن يحتاج معجزة    البسامي يراجع خطط القطاعات الأمنية المشاركة بالحرمين    25 شهيدا وجريحا في القطاع خلال 24 ساعة    مواصفات العلم السعودي عبر التاريخ    تحت رعاية سمو ولي العهد.. مؤتمر مبادرة القدرات البشرية يناقش تسخير الإمكانات للتنمية    فخامة رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    يوم العلم والكشافة السعودية    جيسوس: لا مجال للخسارة    سمو أمير المنطقة الشرقية يدشّن مبادرة "الشرقية الخضراء"    الفوزان إخوان.. وهَبات من الخير    هل تنسحب أمريكا من حلف الناتو    جمعية الدعوة بأجياد توزع أكثر من 4000 مصحف مترجم على ضيوف الرحمن خلال العشر الأولى من رمضان    الخليج وصيف الدوري السعودي الممتاز لكرة الطاولة    دبلوماسية الحرمين في أرض النيلين    لتكن خيرًا لأهلك كما أوصى نبي الرحمة    لقد عفوت عنهم    "البصيلي": يلقي درسًا علميًا في رحاب المسجد الحرام    التاريخ الشفهي منذ التأسيس.. ذاكرة الوطن المسموعة    أمير حائل يكرّم طلاب وطالبات تعليم حائل الفائزين بجائزة "منافس"    انطلاق منافسات بطولة التنمية الرمضانية السادسة بالبكيرية    أمسية شعرية في ثلوثية الراحل محمد الحميد    مبادرة مواطن تحيي بيش البلد    %90 مؤشر الرضا عن أمانات المناطق    250 مظلة متحركة بساحات المسجد النبوي    أبو سراح يطلق مجلس التسامح بظهران الجنوب    المكملات الغذائية تصطدم بالمخاطر الصحية    8 طرق لاستغلال شهر الصوم في تغيير النمط الغذائي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل نيلسون مانديلا .. المناهض للعنصرية.. والأب الذي خسره شعبه
نشر في الجزيرة يوم 08 - 12 - 2013

لم يكف أو يجف مداد التاريخ عن كتابة سير رجال عظماء, وستبقى سيرهم خالدة بين الأمم والشعوب على مدار الأزمنة, ولن يمل من تداولها الكل وكأنها حية نابضة مثرية, كمادة تاريخية مدونة بعطاء العظماء.. قدموا للإنسانية ما يفوق طاقاتهم وما أكثر هؤلاء العظماء, مع اختلاف تنوعهم وتوجهاتهم ومعطياتهم.. فالتاريخ مليء بمهام جسام لعظماء نهضوا ببلدانهم وشعوبهم.. ولعل هنا اثنين كان لهما الأثر البالغ والمؤثر في تحرر الإنسان من عبودية الطغيان, هما مارتن لوثر ونلسون مانديلا, اللذين حطّما قيود أغلال العبودية العنصرية, وهذه ليست مقارنة بين الطرفين, ولكنها الحال المماثلة لما قام به هذان الرجلان العظيمان، مع فارق الزمان والمكان وكل له طريقة ومنهجية مغايرة. وكل له قارته، فالأول في قارته الأمريكية.. والثاني في قارته الأفريقية حيث - جنوب أفريقيا - فكانت الغاية لكليهما التحرر من العبودية والوسيلة النضال، حتى تحقق النصر المبين لهما.. عبر هذه السطور سأتكلم عن أسطورة تاريخية، وإن كنت أفضّل أن أقول ملحمة تاريخية لأحدهما.. هو: {نلسون مانديلا} الذي ناهض العنصرية ونهض ببلاده لمكانة راقية وسامية, بعدما حرق رداءها العنصري الشاحب السواد, الذي كان مخيماً على مدينة جوهانسبرغ في عصرها المظلم الظالم بعنصريته البغيضة.
هرب الفتى الأسمر من قريته موفيزو «movezo» في إقليم «ترانسكاي» في جنوب أفريقيا، بعدما حاول شيخ القبيلة أن يزوجه من فتاة لم يرغب بها, ففر هارباً إلى جوهانسبرغ, وكما يقول المثل: ربما ضارة نافعة.. ففي تلك المدينة الكبيرة مكث مدة طويلة, فكر أن يعود أدراجه لقريته.. وقد بدا له الوضع مختلفاً كلية في جوهانسبرغ, مدينة ضاجة بالعنصرية, فلم يطق هذه الوضع المأساوي, فكيف له الصبر وهو ذو بشرة سوداء؟.. ويرى ذوي البشرة البيضاء يتمتعون بحياة كريمة، ويلهون بمباهج الحياة فرحين ساخرين من ذوي البشرة السوداء.. مضطهدين بعنصرية بغيضة, على إثرها قامت حروب عرقية وعنصرية, بين الأقليات البيضاء والأكثرية السوداء.. فالحزب الاستعماري هو الذي وضع مبادئ «الأبارتيد» عام 1948م.. أي التفرقة العنصرية.. وفرضها بكل قوة وعنجهية وصلف, على السكان السود وشريحة عريضة من الهنود الذين هم خارج آسيا.
كان نلسون مانديلا في إقليم «ترانساكي» يعيش بين أفراد قبيلته, فكان والده كبيراً مهاباً ومستشاراً لحاكم القبيلة وعند وفاة والده تولى الزعيم رعايته وتعليمه, ولكن الفتى الأسمر كان طموحاً نحو التحرر والانعتاق من العبودية, وكانت لديه تصورات وأفكار ثورية مختزلة بشكل أقض مضجعه عن ظلم واستبداد الرجل الأبيض المتحكم في أقدار بلاده.. فبحث عن رفاق درب نضال وطني فعثر على بعض الرفاق لمحاربة العنصرية البيضاء، وقاد أول مظاهرة حاشدة جابت شوارع جوهانسبرغ.. فتصدت لهم الحكومة العنصرية بالتنكيل والقتل، وفر حيث قريته
«ترانساكي» ولم يلبث طويلاً, فعاد وقاد مظاهرة تلو أخرى, ولكن كما يقول المثل: «ليس كل مرة تسلم الجرة» فأمسكت به مخابرات الحكومة العنصرية التي كانت تتعقب خطواته, فكان الصيد الغالي الثمن.. وحكمت محكمة «ريفونيا» بالسجن المؤبد عليه.. وتنقل بين ثلاثة سجون, سجن «جزيرة «رويل آيلاند» ثم سجن «بوليسمور» ليستقر بسجن «فيكتور» سبعة وعشرين عاماً.. وهي أطول مدة لسجين في العالم.
وفي عام 1995م تم إطلاق صراحه تحت ضغط جماهيري وأفريقي ودولي.. وعند خروجه من بوابة السجن, ذهب للميدان الرئيس وعانق أبناء وطنه, وسامح جميع من أساء إليه وقال سنبدأ عهداً جديداً.. ثم عيّنه حزب المؤتمر الوطني الأفريقي رئيساً له.. وقاد المفاوضات مع «فردريك دي كليرك» رئيس جنوب أفريقيا، لإلغاء الفصل العنصري وإقامة انتخابات حرة متعددة الأعراق.. وفاز الحزب الوطني وشكّل حكومة وحدة وطنية.. وجرت الانتخابات الوطنية وعُيِّن نلسون مانديلا رئيساً وتربع على عرش بلاده.. وعندما أراد «الرئيس المهزوم بالانتخابات» دي كليري الذهاب استوقفه أمام الملا.. وقال له: لا تذهب ابق وعلِّم أولادنا!!. يا هذا الفتى الأسمر كم أنت عظيم حينما عفوت لمن أساء إليك وتعاملت وعملت معه بكل أريحية وشيماء وعظمة.. وحقاً أنك لجدير بجائزة نوبل التي منحتك إياها اللجنة للجائزة تقديراً منها لنضالك المشرف تجاه بلادك.. التي نالت حريتها باستقلالها الذي مهرته ببصمتك بصبرك بعرقك بمعاناتك الطويلة المثمرة.
نلسون مانديلا.. سأله مرة صحفي, فكان السؤال: ألا تخشى يوماً من الاغتيال..؟ قال: {لا أخشى من شيء أكثر من أن أستيقظ من دون برنامج يساعدني في جلب السعادة إلى الضعفاء والفقراء والأميين ومن لديهم أمراض مميتة}.
نلسون مانديلا, كان أكبر مناهض أفريقي للعنصرية في القارة الأفريقية بل في جنوب أفريقيا.. نال الرجل أكثر من مائتي جائزة في محافل دولية.. جائزة نوبل في مقدمتها, ثم «ميدالية الرئاسة الأمريكية للحرية»، ثم وسام الرئيس السوفييتي «لينين» عن النظام السوفييتي.
نلسون مانديلا، أمضى حياة حافلة بالنضال، وحياة مماثلة عطاء, بعدما تولى زمام الأمور في بلاده فكفاه فخراً أن جعل بلاده حرة أبيّة على العنصرية.. وها هو يستريح الآن بعد هذا المشوار الطويل من النضال والسلام لتستريح بلاده من براثن التفرقة العنصرية.. انزوى المناضل بعد اعتزاله السياسة في مزرعته الصغيرة في «كيب تاون» يُصارع أعراض المرض الذي أنهك العمر الذي تعدى الخامسة والتسعين عاماً.
نلسون مانديلا.. أيها المناضل المناهض للعنصرية والناهض ببلادك.. وإن غبت والغياب من سنن الحياة.. فقد غبت في غياهب السجون سبعة وعشرين عاماً, وغبت في غيبوبة مرضية طويلة, وها هو الغياب الأخير أيها المناضل الذي حكمت فعدلت طيلة حكمك الذي دام من عام 1994م حتى عام 1998م حتى أقعدك المرض فتنحيت عنه بعدما أديت الرسالة الإنسانية التي خدمت بها بلادك.. ومهما غيّبك الموت فسيبقى اسمك الفريد ونضالك المجيد.. رمزاً للحرية والعدالة الإنسانية بين الأمم.
واليوم إذ يُودعك شعبك إلى مثواك الأخير، فارقد بسلام بعدما عفوت وسامحت كل من أساء إليك وأنت في قمة الهرم, وقلت قولتك المشهور: «سنبدأ صفحة جديد نحو غد مشرق».. ويكفيك فخراً إرساء دعائم السلام في جنوب أفريقيا.. واليوم نحن أمام لمسة وفاء وعرفان لما قدمته لبلادك فخامة الرئيس الراحل.. وها هو رئيس جنوب أفريقيا.. جكوب زوما.. يعلن التأبين الرسمي لفخامتك عبر التلفزيون الرسمي قائلاً: توفي اليوم «الخميس» مساءً 5 ديسمبر 2013 بطل الكفاح ضد التمييز العنصري نلسون مانديلا, وستنكس الأعلام في جنوب أفريقيا اليوم الجمعة 6 ديسمبر 2013م.. لقد خسر شعبنا أباه.. فوداعاً لهذه الروح الإنسانية العظيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.