عاد الأمل من جديد الى نفوس التونسيين بعد إعلان رئيس اتحاد الشغل، أحد الأطراف الأربعة الراعية للحوار بين الفرقاء السياسيين، بأنه من المنتظر أن تشهد اليومان القادمان توصل طرفي النزاع، حكومة الترويكا وجبهة الإنقاذ المعارضة لها، الى حل توافقي يرضيهما ويضع حداً للأزمة الخانقة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، والتي ألقت بظلالها على الاقتصاد المتدهور أصلاً منذ الثورة. الحسين العباسي رئيس اتحاد الشغل، أكبر منظمة شغيلة بالبلاد ب250 ألف منخرط، وعد بالتوصل الى التوافق خلال يومين، وهو ساع رفقة المنظمات الوطنية الثلاثة الأخرى الى إيجاد أرضية تفاهم تجمع طرفي النزاع وتعجل بإيجاد الحل الذي طال انتظاره. إلا أنه هدد أيضاً بكشف أسرار المكاتب المغلقة التي احتضنت الجولات الأولى من الحوار الفاشل بين الترويكا الحاكمة وجبهة الإنقاذ المعارضة والتي وصلت الى طريق مسدود، فيما انبرى طرفا الخلاف يتقاذفان تهمة إفشال المفاوضات دون أن يعرف التونسيون حقيقة ما جرى. ويعتبر المراقبون أن في جلوس الفرقاء السياسيين الى طاولة الحوار نفسها يشكل تقدماً ملموساً في حد ذاته، بالنظر الى تمسك المعارضة برفض انطلاق الحوار في حضور الحكومة الحالية، بمعنى أنها كانت تشترط استقالة حكومة علي العريض قبل البدء في الحوار، ثم عادت لتقبل بالتفاوض على أن يتم حل الحكومة في ظرف أسبوعين. ويرى المتتبعون للشأن السياسي المحلي أن اليأس الذي بدأ يتسرب الى قلوب عامة التونسيين أخذ في التلاشي يوم أمس حال إعلان الرباعي الوسيط عن قرب التوصل الى إنهاء الأزمة بالرغم من أنه سبق أن أدلى بالتصريح نفسه الذي لم ير الشعب له تنفيذاً وكان الفشل نهاية المطاف. وينبع الأمل الذي عاد الى القلوب المتعبة من التحركات الكثيرة للقادة السياسيين في كل اتجاه بغية تحقيق الهدف المنشود ووضع حد لمظاهر الفرقة والانقسام التي أضحت تسيطر على المشهد السياسي التونسي. إلا أن شقاً صغيراً من المحللين السياسيين لا يزال ينظر الى نصف الزجاجة الفارغة خصوصاً على ضوء فشل اللقاءات المتتالية التي جمعت أكبر متنافسين سياسيين الشيخ راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة والباجي قائد السبسي زعيم حركة نداء تونس، وهي لقاءات كان التونسيون يعلقون عليها آمالاً عريضة باعتبار أن التقاء الرجلين واتفاقهما على أرضية توافقية من شأنه أن يثمر تلاقي كل الأطياف السياسية الأخرى وعلى رأسها الجبهة الشعبية العدو اللدود للنهضة. ويعرف عن الناطق الرسمي للجبهة الشعبية المعارض الشرس حمة الهمامي بأنه الابن المدلل للسبسي ويأتمر بنصائحه ويأخذ بخاطره، وبالتالي فإنه لن يخرج عن الخارطة التي يوافق عليها السبسي لو حصل اتفاق بينه وبين الغنوشي. ومما ضاعف من نسبة الأمل لدى عامة الشعب الأخبار الواردة من الشقيقية الكبرى الجزائر حيث يعمل الرئيس الجزائري على رأب الصدع بين الغنوشي والسبسي اللذين التقا بهما كل واحد على حدة، في محاولة منه لتبديد الغيوم المسيطرة على علاقة الرجلين خصوصاً وأن لبوتفليقة علاقات قديمة جداً مع الشيخين قوامها الحياد والحميمية. وهذان العاملان هما اللذان يعول عليهما التونسيون لإذابة الجليد بين الزعيمين السياسيين لأقوى حزبين في البلاد، بما يمثلانه من قاعدة جماهيرية واسعة وبالتالي أصوات انتخابية كبيرة. وبالرغم من معارضة شق مهم من الأطياف السياسية للتدخل الأجنبي حتى وإن كان من الجارة الجزائر التي تربطها بتونس مصالح استراتيجية ضخمة وبالتالي فإن في استقرار أحد البلدين استقرار أوتوماتيكي للبلد الآخر، فإن البعض يرى أنه لا فائدة ترجى من تدويل الأزمة السياسية التي لن يقدر على حلها إلا أبناء البلد. ويذهب هؤلاء بعيداً عندما يستنكرون الزيارات المتتالية لسفراء دول أوروبية وخصوصاً فرنسا وألمانيا وإسبانيا ودول عربية، الى أبرز القادة السياسيين الفعلين في الساحة التونسية، تدخلاً أجنبياً سافراً في الشأن المحلي. ولكن عامة التونسين الذين أثقلتهم الأزمة وعمقت جراحهم النازفة بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وكثرة المصاريف مقابل تراجع مقدرتهم الشرائية، يرون عكس ذلك ويرحبون بأي وساطة تنتهي بوضع حد للأزمة العاصفة التي تضرب البلاد منذ أكثر من شهر ونصف الشهر فيما عجزت الأطراف المسؤولة «من لأبناء البلد» عن وضع نقطة النهاية لها.