إن أي ثقافة لا تستند إلى تربية فهي ضحلة ولا تستطيع مواجهة الحياة، فالفرد هو الناقل لهذه الثقافة، فكلما كانت تربيته جادة أثمرت عن ثقافة راقية وتراثنا العربي غني بالكثير من العقول التي خدمت ثقافتنا العربية الإسلامية وكانت المبادرة من قبلهم هي الحاضرة، فحلقات العلم التي تُقام في المساجد والزوايا المحيطة بهم هم روادها دون تأثير من أحد لأن همهم الأول حب العلم وطلبه هذا الحرص منهم يجعلهم يتلاشون الوقوع في المقولة التي تردد من كان أستاذه كتابه فإن خطأه أكثر من صوابه وهي الطريق إلى القراءة الحرَّة لأنهم أصبحوا يملكون ملكات الاستدراك والتدبر والإحاطة والإلمام بالتأصيل ومجالاته التي تقصي هذه المقولة المعروفة والمكتبة العربية الإسلامية تزخر بذخائر معرفية في جميع مجالات الحياة الإسلامية والتاريخية وعلم الفلك والطب والأحياء والرياضيات وخلافها، وقد أسست هذه العلوم لمرجعية علمية ممكن الأخذ منها لتغذية العقول وبالفعل كان لقوة مادتها تأثير جيد لاستمرار عطاء ثقافتنا العربية على مرّ العصور والتي استمرت متوهجة لمدة ثمانية قرون وبعدها تعرض العالم العربي والإسلامي لهجمة شرسة لامست ثقافته لأجل إضعافها وطمسها من الوجود ولكن هيهات هذا مستحيل لأن دستور هذه الثقافة محفوظ من رب هذا الكون {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }الحجر9 ، هذا هي الخطوط العريضة والقاموس الذي لا ينضب لمن أراد الثقافة والاهتداء إليها لكي تعانق فطرة الإنسان السوية التي أرادها الله له، أما من أراد خلاف ذلك فهو هبط بثقافته إلى ثقافة الوهن (ثقافة حب الدنيا وكراهية الموت) وهنا تنشأ الثقافة النفعية التي همها الأول تحقيق مكاسب لنفسها على حساب قيمها وثوابتها، فالمكاسب المعنوية والمادية يسيران جنباً إلى جنب لا يمكن أن يفترقا؛ فتارة تجد بعض الكتَّاب يكتب ويستنصر لكاتب ما لأنه يتفق مع ميوله وتوجهاته، وأحياناً وإن كان يخالفها المهم أن يوجد لنفسه حضوراً ينظر إليه أنه مفيد له معنوياً وتجد كاتب آخر سخَّر قلمه وكتاباته لتحقيق مكاسب مادية من خلال أسلوب الإثارة التي يتبعها في كتاباته المهم ترويجها بين القراء على حساب أخلاقية المهنة وهذا الصنف من الكتَّاب كثر وأصبح لكتاباتهم رواج وخصوصاً في وسط القراء الذين لا يملكون حصانة فكرية. فالوسطية والاعتدال ليس لها حضور عندهم المهم تحقيق مكاسب لهم معنوية ومادية وهذه أيضاً تصب في الثقافة النفعية. أخي القارئ الكريم أتمنى أن أكون اقتربت ولامست ما ينوّرك ويحيطك بهذه الثقافة الدخيلة على ثقافتنا العربية. هذا ما أرجوه، وبالله التوفيق.. [email protected]