الصداقة هي تفاعل وجداني بين اثنين سواء كان رجل أو امرأة وهناك معزّزات لنشأتها وعادة تكون البيئة الاجتماعية والمدرسية مصدراً لقيامهما وأحياناً تكون الصدف مثل الالتقاء في رحلة داخلية أو خارجية وفي ظل هذه الأجواء تنشأ الصداقة وتستمر في بعض الأحيان طيلة العمر وخصوصاً إذا بُنيت على مصداقية وشفافية وليست مرتبطة بمصالح مادية أو معنوية، ومجتمعنا العربي رسم صوراً للصداقة التي رسخ قيمها موروثنا الاجتماعي وأصبح الصديقان مرتبطين بعلاقة حميمة يفضي كل واحد منهما للآخر ويتحدث عن همومه وتطلعاته وآماله وكل شأن في حياته وقد يصل عند البعض أن حديثه هذا مقتصر على صديقه ويخفيه عن أسرته وأقرب المقرّبين إليه وأما في عصرنا الحاضر فقد بدأت الصداقة تأخذ منحى سلبياً عند البعض لأنها لم تبن على مقومات سلوكية وحضارية إنما استسلمت للمتغيِّرات المادية التي أثَّرت عليها نتيجة لضعف امتثال الإنسان لقيمه وارتباطه بها قولاً وعملاً فالثقة العمياء التي تأتي من الصديق لم تقابل بصدق وأمانة من قبل صديقه، وكم سمعنا من المشاهد المؤلمة التي تحدث بين الأصدقاء سواء كانت في المشاريع التجارية والمصالح الأخرى التي نتجت بسبب هذه الصداقة بالإضافة إلى العلاقات الاجتماعية وحتى العلمية والأدبية لم تسلم من ذلك وكانت نهايتها صداقة فاشلة. وفي هذا الموقف أتذكر قولاً لأمير المؤمنين علي بن طالب كرَّم الله وجهه قال فيه (أبذل لصديقك كل المروءة ولا تبذل له كل الطمأنينة وأعطه من نفسك كل المواساة ولا تفض إليه بكل الأسرار)، هذا القول من أمير المؤمنين يشخِّص حال الصداقة عند البعض من المتنكرين لها والتي كما أشرت نلاحظ من يبوح بأسرار صديقه ويجيّرها له ويسترسل أمير المؤمنين على رضي الله عنه في قول له آخر (لا يكون الصديق صديقاً حتى يحفظ صديقه في غيبته وبعد وفاته)، أيضاً من الأقوال الأخرى التي قيلت عن الصداقة، حيث قيل لابن السماك أي الإخوان أحق ببقاء المودة؟ قال الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يملّك على القرب ولا ينساك على البعد، إذا دنوت منه داناك وإن بعدت عنه راعاك وإن استعنت به عضدك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله. أيضاً من الحكم التي قيلت عن الصديق (الصديق الصالح خير لك من نفسك، لأن النفس أمَّارة بالسوء والصديق الصالح لا يأمرك إلا بالخير كذلك أيضاً سأل فيلسوف ما أفضل ما يقتني الإنسان؟ قال الصديق المخلص. أخي القارئ الكريم أنت مدرك معي من المخزون العلمي الوافر لديك أن الحكم التي قيلت عن الصداقة كثيرة ولكن معانقة مضامينها والعمل بها قليل عند بعض أصدقاء هذا اليوم الذي يفترض أن يكون التعاون والتواسي حاضرين بينهم كما قال حكيم (نظر حكيم إلى رجلين لا يكادان يفترقان فقال: أي قرابة بين هذين؟ فقيل له: ليس يينهما قرابة ولكنهما صديقان: قال فلم صار أحدهما فقيراً والآخر غنياً؟ لو كان صديقين لتواسيا. والله من وراء القصد..،،، [email protected]