رغم الإحصائيات التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة وبالرغم من تصريحات لجنة الاستقدام في السعودية، إلا أن «أم وليد» لم تثنها مثل هذه الإحصائيات المرعبة عن استقدام خادمة أخرى بعدما قررت خادمتها الحالية الرحيل إلى بلدها، بعد أن قضت في زوايا بيتها أربعة أعوام كاملة. «أم وليد» تعمل معلمة في إحدى مدارس البنات بالرياض، تبرر حرصها بالحصول على خادمة جديدة؛ بالإرهاق الذي تتعرض له من عملها، الأمر الذي يحتم عليها الاستعانة بخادمة تفضلها من إندونيسيا، إلا أن الشروط الأخيرة التي اقترحتها الحكومة الإندونيسية في عقد عمل الخادمة، مددت من عمر الأزمة ما بين السعودية وحكومة إندونيسيا المتمثِّلة في إيقاف الاستقدام من تلك الدَّولة. هذا الإيقاف يجبر «أم وليد» على الاتجاه إلى السوق السوداء التي يصل أجر خادماته الشهري إلى أكثر من 1500 ريال في كثير من الأحيان، وبالرغم من أن «أم وليد» لها من الأبناء خمسة أبناء «3ذكور وبنتان» إلا أنها لا تزال مصرّة على استقدام خادمة تدفع لأجلها مبلغًا يتعدى ال20 ألف ريال سنويًا. خادمة مخالفة في اليد .. أمان من الهرب! «أم فراس» ربة منزل تعيش في مدينة الطائف، تستعين بخادمة منزلية مخالفة لأنظمة الإقامة والعمل منذ ما يقرب ال8 سنين، وتبرر فعلها هذا بأنها ليست مستعدة أن تدفع مبالغ طائلة لخادمة تدخل من باب المنزل لتهرب من نافذته. وتضيف: لا وزارة العمل ولا شركات الاستقدام، وفرت لنا ما يحفظ حقوقنا عند هروب الخادمة، لذا ارتأيت أن استعين بمعارفي لتوفير خادمة من الجنسية الإثيوبية من مدينة مكة شرَّفها الله، حيث تُعدُّ مكة مكانًا خصبًا لهذه الجنسيات. وبالرغم من أن «أم فراس» أمٌ لثلاث بنات، إلا أن هذا العدد لم يقنعها كي تتخلى عن الخادمة، حيث لا تزال تدافع عن حاجتها لها. وتصف «أم فراس» علاقة الأسرة السعودية بالخادمات بالحميمية، فالخادمة تعامل على أنها فرد من الأسرة يشاركونها الأكل والشرب والكثير من متع الحياة اليومية، صحيح أن هناك مغالاة في وجود الخادمة في بعض الأحيان، كونها توجد في بيوت لا تحتاجها، إلا أن طبيعة الحياة السعودية أصبحت تفرض مثل هذا الوجود، إذ إن العائلة تتميز بكثرة الأبناء وصار الذين عادة ما يكونون في مراحل عمرية متنوعة، الأمر الذي يوجب التفرغ لهم، فهي ترى أنه لا يمنع أن تتولى الخادمة شؤون معينة داخل المنزل مثل الإشراف على نظافته والإشراف على الغسيل وما إلى ذلك من مهام مشابهة، والأم تتفرغ لأبنائها ومشكلاتهم بنفس صافية وغير مجهدة، فمن غير المقنع أن تضيع الأم أهم لحظات عمرها في علاقتها بأبنائها على غسيل وتنظيف ممكن أن تقوم به أي خادمة. نظام العمل والعمال «لا يعمل» عضو لجنة الشؤون الاجتماعية والأسرة والشباب في مجلس الشورى الدكتور مازن الخياط يؤيد ما ذهبت إليه المشاركتان بقوله: الحضارة ومتطلبات الحياة الحديثة، فرضت علينا نمطًا معينًا من المعيشة يجربنا على اقتناء الخدم، مثلاً الأسرة لدينا تجد لديها من 5 إلى 6 أطفال، إلى أكثر من ذلك في بعض الأحيان، نادرًا ما تجد الأجداد يشاركون في تربية الأحفاد نظرًا لكثرتهم، قديمًا كان المجتمع بأكمله يشارك في التربية، من المنزل إلى المسجد إلى الحارة إلى المدرسة، أيضًا نجد أن المرأة بدأت تنخرط في أعمال ووظائف لم تكن متاحة لها من قبل، أيضًا الحياة الاجتماعية لا تزال في أعلى درجاتها، تجد الكثير من المناسبات التي تقام من فترة لأخرى، أيضًا السائق حدث ولا حرج عن أهميته، للمشاركة في قضاء حوائج البيت والأسرة لانعدام الخيارات الضرورية الأخرى، مثل وسائل النقل العام وغيرها، لكن كل هذا لا يغفل أن على كلٍّ واحد منّا مسؤولية يجب علينا عدم إغفالها والاعتماد الكلي على الخدم، ولنا في رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أسوة حسنة الذي كان يعاون خدمه ويساعدهم. وأشار خياط إلى نظام العمل والعمال الذي تشرف عليه وزارة العمل، حيث وصفه بالنظام «التعيس» الذي يحتاج إلى الكثير من التجديد والتطوير ولملمة الأوراق وتعزيزه بأنظمة جديدة، لتواكب التطوّر الحاصل في البلد، هذا التجديد والتطوير لا بد أن يكون كفيلاً بحفظ حقوق رب العمل، وفي نفس الوقت يحفظ حق العامل، أيا كانت وظيفته؛ لأنّه ليس لدينا نظام واضح يكفل حقوق العامل، لأنّه مع ازدياد العمالة ظهرت الكثير من الإشكالات التي سلّط الإعلام النظر عليها، نجد هناك ارتجالات من بعض أرباب العمل كتأخير الراتب لعدة شهور لضمان حقه مثلاً، وهذا مشاع بكثرة عند الخادمات خاصة، إذ نجد كثيرًا من أرباب الأسر من يؤخر الراتب كي يضمن عدم هروبها أو تمردها عليه، أو الامتناع عن العمل، وفي ذات الوقت لو تعرَّضت هذه الخادمة لبعض الظُّلم بمختلف الصور، فإنه لا تجد من يحميها من هذا الظُّلم.. ويضيف: الحوادث المتفرِّقة التي ينقلها الإعلام دفعت بعض هذه البلدان بضغط من شعوبها للمطالبة ببعض الشروط والمطالب التي لا أرى أنها توفر حلاً مناسبًا، والحل من وجهة نظري لهكذا قضايا، يكمن في نظام واضح للعمل والعمال يكفل حق الطرفين، كما حاصل في كبرى المؤسسات الحكومية والشركات الخاصَّة لدينا، هناك نظام يحفظ حق العامل والموظف في حقوقه المالية والمعنوية، ما يحصل لدينا يصل في بعض الأحيان إلى درجة الاستعباد، صحيح أن بعض الخدم لدينا يعاملون معاملة أكثر من رائعة، لكن هذه المعاملة الجيدة تتأتى من التربية الحسنة التي تتمتع بها هذه العوائل وليس بفعل النظام. ظاهرة محفوفة بالمشكلات .. غير مبررة الذرائع «أبو ثامر» وهو رب أسرة سعودية يرفض كل المبررات التي يمكن أن تتذرع بها أي امرأة تحاول أن تأتي بخادمة كي تعمل في منزلها حين يقول: «نسمع كثيرًا خاصة من الجانب النسائي ضرورة وجود خادمة في المنزل تحت ذرائع متعددة، نحن إزاء ظاهرة اجتماعية ينتج عنها كثير من المشكلات، التي تمس شرائح المجتمع، ونحن إذا سلّمنا بكلِّ هذه المبررات وقبلنا بها فإننا لن نسمع إلا صوتًا واحدًا هو صوت المرأة المرهقة والمستنزفة. لكن ماذا عن صوت الزوج والأبناء؟ وهم الشريحة الأكثر أهمية، ما ذنبهم أن نمارس عليهم تجاربنا غير المسؤولة؟» يعتبر «أبو ثامر» ظاهرة الخادمات ظاهرة استهلاكية جاءت مع الطفرة مثلها مثل كل المظاهر الأخرى التي احتواها المجتمع وأدمنها دون فهم ودون وعي لأبعادها، بدليل أن المجتمع كان عوائل كبيرة منذ القدم، ولم يكن لهن حاجة حقيقية. ويختتم مشاركته بأن كثرة أفراد الأسرة هو عامل يساعد عن الاستغناء عن الخادمة، إذ إن الأبناء لا يولدون في فترة واحدة، الأمر الذي يمكننا من توزيع المسؤوليات على أفراد الأسرة رويدًا، رويدًا. الخادمة «أم» لا تستدعي الاحترام يضيف أبو ثامر: يرى عالم الاجتماع السوري حليم بركات أن المجتمع العربي مجتمع محشور بين مرحلتين: الماضي والحاضر، الأصيل والحداثي، مجتمع ضائع الهوية ثقافيًا، وهنا لب المشكلة: فمن جهة هو يسعى لاهثًا خلف منتجات العولمة والتكنولوجيا، طبعًا هو مستهلك غير منتج، ومن جهة أخرى هو مجتمع لا يزال يعتمد اعتمادًا كليًا على الهرمية الاجتماعية: الأب هو رأس الهرم وهو عمود الخيمة الاقتصادي والاجتماعي والتربوي أيضًا، وبهذا المنظور الهرمي تأتي الخادمة حائرة وسط هذا الهرم، فهي تقوم بمهام الأم ومسؤولياتها، هذه المهام هي ما تجعل الأبناء ينظرون إليها من أسفل لأعلى «هرميًا» لكنهم لا يعطونها احترام الأم لأنّها ليست كذلك. من هنا تنشأ ازدواجية تربوية مؤثِّرة تؤدي إلى تشوّهات نفسية لهذه الأجيال. هذا تربويًا، أما اقتصاديًا، فبالإضافة إلى خسائر الفرد والمجتمع، لا تزال الأسرة لدينا تعتمد على العمود الواحد، الأب هو المصدر الرئيس، ولا تزال مشاركة الأم غير فعّالة «أقصد عمل المرأة» فهي إذن لا تعمل خارجًا ولديها خادمة في البيت، وهكذا يصبح دورها في نسيج الأسرة ثانويًا، ينتهي بحدود الولادة والأمومة الصورية.