قلما يوجد منزل لا يشتكي من سوء العمالة المنزلية، وعلى الرغم من حاجة البيت السعودي للخدم بشكل كبير إلا أن تمادي الخدم وهروبهم شكل ظاهرة مقلقة، في الوقت الذي تتفنن فيه وزارة العمل لسنِّ الأنظمة التي تراعي حقوق الخادمة فقط دون أدنى مراعاة لحقوق صاحب العمل. اليوم وفي الجزء الثاني من سلسلة تحقيقاتنا حول هذا الموضوع نطرح السؤال: هروب الخادمات إلى متى؟ وما الحلول الممكنة؟ وكيف تواجه الأسرة هروب خادمتها خاصة مع قدوم شهر رمضان المبارك بكل خصوصيته لدى مجتمعنا؟ بداية ضاري التمياط (رب أسرة) يقول عن هذه الظاهرة: ظاهرة هروب الخادمات تعد مشكلة يعاني منها المجتمع السعودي، وهروب الخادمات من المنازل مشكلة قديمة وتفاقمت المشكلة بشكل يبعث على القلق في الوقت الحاضر، وليس الهروب للعودة إلى أوطانهن لكن للعمل في مواقع أخرى ولدى اسر جديدة برواتب تصل أحيانا إلى 2000 ريال شهرياً. وهناك عدة مؤشرات لهروب الخادمة أهمها المبالغة في استخدام الهاتف الجوال، وكثرة الخروج من المنزل وحدها لأي سبب تختلقه، والتظاهر بالمرض أو الملل في أداء واجبها. «مافيا» خادمات صالح العبيد (رب أسرة يعمل في التربية والتعليم) يؤكد وجود (مافيا شغالات) كما سماها حيث يقول: تجربتي الشخصية مع الشغالات لا تختلف كثيراً عن غيري في ظل وجود ضبابية في أنظمة الاستقدام ترجح كفة الشغالة، وبدأت حكاية معاناتي مع خادمتي الإندونيسية حيث عملت عندي أحد عشر عاماً، ثم تغيرت في العام الأخير ولاحظنا هذا السلوك، وذات يوم لم نجدها في المنزل، وكانت قبل ذلك تهاتف باستمرار شغالة أخرى عند أحد أقاربنا، وبالطبع بلغنا الشرطة بعد هروبها، وقد أخبرنا قريبنا أن خادمته هربت هي الأخرى وأنه توصل إليها في مكان ما في مدينة حائل بصحبة خادمتنا وبطريقته الخاصة عرف أن ثمة عاملاً أجنبياً سيأتي من الرياض لأخذهما إلى حيث لا نعلم، فأخبرنا الشرطة بالتفاصيل، ويبدو أن هذا العامل يقوم بمثل هذه العمليات منذ سنوات، فأين الدوريات الأمنية عن هؤلاء؟.. كيف ينقل خادمات من منطقة لأخرى دون أن يتعرض حتى للتفتيش؟ وكيف تبيع مكاتب الاستقدام وتؤجر خادمات دون عقود تحفظ الحقوق؟.. أما نحن فيقول العبيد: قدمنا مرة أخرى على شغالة أخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله!. ظاهرة تسبق رمضان أم يحيى (معلمة) تتحدث عن هذه الظاهرة بأسى وتقول: الآن وصل سعر التأجير إلى مبالغ باهظة جداً، والسبب أن العرض أقل من الطلب، وبصراحة أنا أتعامل مع مكاتب متنوعة وأشخاص عاديون يوفرون شغالات بالإيجار دون عقود ودون ضمانات، ولا ندري هل حالتها الصحية مناسبة أم لا؟ وتضيف أم يحيى: الأسرة السعودية تستنفر في رمضان المبارك الذي تكثر فيه المناسبات الاجتماعية والدعوات وهروب الخادمة أو امتناعها عن العمل كفيل بإرباك الأسرة بكاملها في هذا الشهر لذلك قد تضطر الأسر السعودية إلى استئجار خادمة بطرق غير نظامية وعن طريق مكاتب الاستقدام بمبالغ كبيرة، فلماذا يحدث ذلك في بلادنا فقط بينما الدول الخليجية المجاورة تحفظ حقوق الأسرة والخادمة على حد سواء؟ نعاملهن كبناتنا ولكن..! أما حميد العنزي (مشرف تربوي) فيتحدث عن معاناته مع الخدم ويقول: إنها الخادمة التي أصبحت أو كادت أن تكون إحدى ضرورات هذا العصر، البعض ينظر لها على أنها رفاهية بينما ينظر لها الآخرون على أنها ضرورة ملحة بحكم العمل وتبعاته بالنسبة للمرأة. قصتي مع الخادمات بدأت عندما احتاجت لها الوالدة - أطال الله عمرها - وأصبح وجودها ضرورة لا غنى عنها حضرت الخادمة فتلقفها قلب والدتي الطيب بكل حنو وأصبحت تعاملها كإحدى بناتها بلا مبالغة، بل كانت تختصها ببعض الأشياء التي تستأثرها بها عن بعض أولادها وكانت تشاطرهم في معظم الأشياء. الحقيقة أن هذه الفرحة لم تدم طويلاً إذ سرعان ما تم اكتشاف أن هذه الخادمة تحمل في جعبتها أقراص من الحبوب ذات أصناف شتى وهي تتعاطاها بشكل مستمر، اتصلنا على مكتب الاستقدام أخبرناه أن الخادمة تعاني من أمراض نفسية ومازالت في مرحلة التجربة طلب إرسالها مع إرسال مبلغ 1000 للتأشيرة وذلك مكتوب في بند الاتفاق الذي لم نكلف أنفسنا قراءة بنوده. تم تسفيرها مع تحمل 1000 ريال حضرت البديلة بعد أكثر من خمسة شهور ثم بعد أن انقضت الفترة التجريبية اكتشفنا أن هذه السيدة الطاعنة في السن التي كانت شروطنا التي كتبناها أن يكون عمرها ما بين 25-30 تعاني من ضعف في أحد عينيها يكاد أن يصل إلى عدم الرؤية وتتأذى بشكل رهيب من حرارة النار أثناء الطبخ مما اضطرنا إلى تسفيرها مع تحملنا للخسارة بعد أن استخرجنا لها تقارير لكن كان الرد أن انتهت الفترة التجريبية! الفترة التجريبية مجرد خدعة من عيوب استقدام العمالة المنزلية الإندونيسية - تحديداً - أن الخادمة أول ما تصل إلى المملكة لا يتم فحصها فحصاً طبياً دقيقا في بلادها إنما يتم ذلك بشكل روتيني متهاون فيه ولا يخلو من تقديم الرشاوى في سبيل التغاضي عن بعض الملاحظات. وعندما يقوم يتسلمها كفيلها يضطر إلى فحصها بعد أن تكون قد دخلت إلى منزله ولوثت البيئة المنزلية إن كان بها مرض معد لا سمح الله ، وكثيراً ما سمعنا عن خادمات يحملن أمراضاً معدية وفي بعض الأحيان مصابات بالإيدز. أيضاً لا تخلو المسألة من عمليات النصب إذ إن مكاتب الاستقدام تضع مهلة تجريبية لمدة ثلاثة أشهر فقط (مدة ضمان) وبعد ذلك تتغير أخلاق الخادمة وتعاملها مع أهل المنزل، وتسوء معاملتها مع الأطفال، وقد سمعنا عن بعض المكاتب التي تحرض الخادمات على الهرب أو الامتناع عن العمل خلال هذه المدة. أسباب وحلول وهناك عدة أسباب لهروب الخادمة من المنزل كما يراها ضاري التمياط منها إرهاقهم بأعمال المنزل كلها دون الالتفات إلى إنسانيتهم وآلامهم، والإيذاء الجسدي والضرب، التحرش الجنسي، التأخر في صرف مستحقاتهم بشكل منتظم. ومن أهم أسباب هروب الخادمة أيضاً وجود عصابات منظمة يديرها أجانب من بني جلدتهم تغري العاملة المنزلية برواتب خيالية وتشغيلها ومساعدتها بالتنقل من منزل إلى آخر والتستر عليها. أما حلول هذه المشكلة فيضيف التمياط قائلاً: الاتفاق على أوقات محددة لها باستخدام الهاتف للتواصل مع أهلها أو قريباتها في نفس البلد وعدم السماح لها بالاختلاط مع الخادمات الأخريات عند مرافقتها للعائلة في الأسواق والأماكن العامة وإبعادها قدر الإمكان عن السائقين وعدم السماح لها بالاختلاط بهم والتعامل معها كموظفة وليس عاملة واحترام مشاعرها كما أمرنا ديننا الحنيف وإعطائها أوقاتا للراحة من أعباء المنزل. أنظمة ولوائح الأستاذ أبو علاء (مدير مكتب استقدام بالرياض) يتحدث عن هذه الظاهرة فيقول: أنظمة مكاتب الاستقدام تعطي الكفيل مدة ثلاثة أشهر ضمان على العاملة المنزلية، وفي هذه الفترة يحق للكفيل استبدال الخادمة غير الصالحة للعمل في حال عدم مناسبتها وفق أنظمة المكاتب المعمول بها في المملكة، ولكن بعد انقضاء مدة الضمان (3 أشهر) لا يحق للمكفول استبدال العاملة إذا ثبت تقاعسها أو إضرابها عن العمل، وإذا هربت كل ما عليه هو إبلاغ الشرطة أو السفارة، ولا يكون هناك تعويض ولكن تسقط الخادمة من اسم الكفيل ويحق له التقدم بطلب واحدة أخرى على أن يتحمل مصاريف الحالتين! وعن إجراء المكاتب في حال تمرد الخادمة بعد مهلة الضمان يقول أبو علاء: كل مكتب لديه مترجم من نفس بلد العاملة المنزلية وتكون مهمته توضيح مالها وما عليها من حقوق وواجبات، ويتم تأهيل الخادمات للعمل في البيئة المحلية قبل تسلمها للعمل وذلك بعرض المشكلات التي ترد على المكاتب وكيفية التعامل معها، ولكن إذا لم تتعدل الخادمة هناك إجراء البيع ونقل الكفالة لمكفول آخر وطبعاً بسعر مطابق أو مقارب لتكلفتها على الكفيل وفق العرض والطلب. سماسرة.. وحلول وعن أسباب الهروب كما يراها المكتب: من أهم أسباب الهروب وجود سماسرة يخططون للخادمات قبل وصولهن، وبعض الخادمات تضع في مخيلتها أنه بعد ثلاثة أشهر تهرب وتبحث عن فرصة أفضل براتب يفوق راتبها الحالي (800) ريال ويصل (1500- 2000) ريال، والسب الثاني تعامل الأسرة مع الخادمات بعدم تأهيلهن للأعمال الجديدة فهي تأتي من بيئة مختلفة ولا تتكيف مع الواقع الجديد بسهولة. أما الحل الجذري كما يراه أبو علاء (مدير مكتب استقدم بالرياض) هو استقدام الخادمة باسم كفيل واحد فقط وإذا لم تتفق معه ولم يرتح للعمل معها فإنها تغادر إلى بلدها فوراً دون أن تنقل كفالتها إلى مكفول آخر، فالتأجير الحاصل الآن يتم بصورة غير قانونية ومكاتب الاستقدام لا تتعامل به، لكنه موجود بكثرة ويغري الخادمات بالتمرد، ودائماً الأسرة السعودية تدفع الثمن!