قرأت مقالة للكاتب بصحيفتكم محمد آل الشيخ في يوم الخميس بتاريخ السابع من شهر صفر للعام الهجري 1434ه بعنوان: (ما هي حقيقة الجامية؟) وقد صدق في كل ما كتبه عن الشيخ العلاّمة محمد آمان الجامي، الذي رحل عن هذه الدنيا الفانية، بعد أن وهب حياته لمناصرة ومؤازرة علماء ربانيين جعلوا همّهم الأكبر في حياتهم الدعوة إلى الله على علم وبصيرة، كابن باز وابن عثيمين والألباني واللحيدان وعبد المحسن العباد وكثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم، وقد أجاد وأفاد في كل ما كتبه عن حقيقة هذا اللقب ومن الذي أطلقه وما هي مقاصدهم من إطلاقهم لهذا اللقب عليه وعلى طلابه ونبزهم به تنفيراً منهم، لا لشيء إلا لأنه كان غصة في حلق كل من يريد حرف الدعوة السلفية النقية عن منهجها الذي رسمه لنا رسولنا عليه الصلاة والسلام، وسار عليه صحابته والتابعون والبقية الباقية من مشايخ سلفيين جعلوا همهم الأكبر نشرها، كما هي نقية من غير تحريف صافية من غير تكدير وحسبي أن الشيخ العلامة محمد الجامي أحدهم، فقد كان سريع الغضب عندما تنتهك حرمات الله، شديد الانتماء لمذهب أهل السنّة والجماعة، داعياً إلى الله بصدق وعزيمة عاملاً بما يعلم مطبقاً لما يدعو إليه، فلذا وقف في وجه كل الذين يريدون التلبيس على المسلمين من متعلميهم وعوامهم بدعوات مضللة مشبوهة، ومنها دعوة الإخوان المسلمين والتي كان يرحمه الله خبيراً بها وبمآربها وبالغرض من إنشائها وأنها تتلبس بالدين لتنال بواسطته كراسي حكم. أما سبب إطلاق هذا اللقب عليه وعلى طلبته الذين كان يدرسهم، ولكي يعرف كل قارئ منصف يريد الحق حتى وإن خالف هواه، فهو أن الشيخ محمد آمان الجامي عليه رحمة الله وطلبته والكثير من أهل العلم ممن هم على منهج أهل السلف، تعاضدوا وتآزروا في الرد على بعض الحركيين والحزبيين من جماعة الإخوان المسلمين، لما أفتى علماؤنا الأجلاء بما يقتضيه الدين والعقل والمنطق من جواز الاستعانة بالكفار لصد عدوان صدام حسين على الكويت وحشده لجنوده على حدود السعودية وتهديده لها، عندها كشر هؤلاء الحزبيون والحركيون عن أنيابهم وأظهروا ما في مكنون صدورهم وأصدروا أشرطة ومحاضرات عارضوا فيها فتوى كبار علماؤنا وأشاعوا الرعب بين العامة، فوصفوا هؤلاء العلماء بجهل الواقع، وأن هذا السيناريو ما هو إلاّ مخطط أمريكي قديم الهدف منه استحلال أرض الحرمين فأخذوا يطلقون تصريحاتهم بوسائل شتى ومنها أن أمريكا لن تضرب العراق وأقسم على ذلك طائفة من كبرائهم، بأن أمريكا ستحتل الأرض وتزيح الدين وتغير المناهج الدراسية، بل ازداد تعديهم فأخذوا يطعنون بعلمائنا وكان منهم في ذلك الوقت العلاّمتان عبد العزيز بن باز ومحمد بن عثيمين رحمهما الله، وفي وقت معارضة الحزبيين والحركيين لفتوى علمائنا خرج ثلة من العلماء ومنهم أسد من أسود العقيدة ودرع من دروعها وهو فضيلة الشيخ العلاّمة محمد آمان الجامي وبعض طلبة العلم، فتصدوا لهم وبمساندة من علمائنا وردّوا على هؤلاء الحزبيين والحركيين في أشرطة وكتب نصحاً لعامة المسلمين ألا يتبعوهم لكي لا يقعوا في مصائد حبائلهم ووقف لأشرطتهم وكتبهم الند بالند مفنداً لها، ولما كانت تحتج به وأخذ يدعو الناس ويحثهم بأن يأخذوا بأقوال أكابر العلماء كابن باز وابن عثيمين وصالح الفوزان وغيرهم، وبالالتفاف حول ولاة الأمر ومتحدثاً عن النعم التي أنعم الله بها على هذه الدولة، ومن هذه النعم وجود أمثال هؤلاء العلماء الثقات، فهاج هؤلاء الحزبيون والحركيون وشنوا عليه وعلى طلبته وأهل العلم ممن كان يؤيدهم، خشية أن يستمع الناس إليه وإلى أمثاله من دعاة الحق فتتفتح أذهانهم فتكتشف حقيقة أفعالهم وأفكارهم وتتضح مطامعهم، فبادروا بالتنفير منه وذلك باختراع لقب الجامية وإثارة بعض الشبهات عنهم كذباً عليهم ليصرفوا الناس عنهم. وكانت ردوده رحمه الله عليهم تحمل من الحجج العلمية والشرعية، ما جعلهم أن تعاجزوا عن مجابهته، وذلك بسبب ما أعطاه الله من سعة علم وفقه وسعة اطلاع على الجماعات الضالة، فكان يبين لشباب أمته أساليب خداعهم وغشهم، وكان يكشفها لهم في وقت كان الكثير جداً من شباب وطننا خاصة وشباب الأمة عامة جاهلاً بفكرهم وبمغازيهم، فكان لهؤلاء الشباب كالشمعة التي تحترق لتنير لهم طريق الحق، لذا ازداد تصويب مشايخ الإخوان وطلبتهم ومن هو مغتر بهم سهامهم عليه لإسقاطه هو وطلابه، لإدراكهم بأنهم سيكونون حجرة عثرة في طريق تحقيق مطامعهم فأخذوا ينبزونه بأشد الألقاب ومنها العبد الآبق والعبد الحبشي ومرجئة الحكام، ومع ذلك بقي صامداً يكافح وينافح عن منهج سلفي اعتقده وتعلمه ونهله من علماء ثقات، وكان البعض منهم مدركاً لكلامه في وقته وذلك بسبب مجالسته للعلماء والبعض الآخر لم يكتشف ذلك عنهم، فما إن ذهبت تلك الأيام إلا ويظهر الله خبثهم وتنكشف سوأتهم ويميز الله صدق علماء السنّة من إرجافهم وتهويلهم، فتضرب أمريكا العراق ويرد الله كيد صدام وجيشه في نحره ويحفظ الله بمنّه وكرمه دولة التوحيد والسنّة بحفظه، وليكتب الله أن تتغير المناهج إلى ما هو أحسن فتحذف كتب الإخواني محمد قطب والتي كانت تقرر التوحيد بمعناه عند أهل الكلام ويوضع بدلاً منها كتب في التوحيد على عقيدة السلف، فسارع دعاة الحزبية بعد ذلك بدهائهم المكشوف عند من يعلم بمكرهم وحيلهم بعقد محاضرات في سيرة الإمام عبد العزيز بن باز لاستمالة قلبه ولكي يبعدوا عن أنفسهم عنده وعند العامة تهمة الطعن فيه، ذلك الطعن المبطن المكشوف عند من يعرفهم، ولكن ما إن ذهبت الأيام إلا وأصدرت هيئة كبار العلماء وبالإجماع في بعضهم بياناً طالبوا فيه بإيقافهم حماية للمجتمع من أخطائهم. وقد أثنى عليه رحمه الله مجموعة كبيرة من العلماء الثقات والذين كان لهم ثقل ليس على مستوى أوطانهم بل على مستوى الأمة العربية والإسلامية، كابن باز وصالح اللحيدان وصالح الفوزان وعبد المحسن العباد، ولولا الإطالة لذكرت الكثير مما قيل فيه وهي موجودة موثقة لا يستطيع إنكارها إلا حاقد أعماه هواه أن يقبل بالحق ومن هؤلاء الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى، ففي شريط الأسئلة السويدية الجزء الثاني الذي ذكر فيه ما يلي عندما سأله أحد الحضور أن ينصح الشباب من الجامية من أنها فرقة خطيرة فقال رحمه الله هل هناك فرقة تسمى جامية؟ هل قصدهم بذلك القذف في الشيخ محمد آمان الجامي رحمه الله؟ هذا السائل مخطئ خطأ عظيماً وللأسف جانب الصواب الشيخ محمد آمان الجامي والشيخ ربيع المدخلي وكل مشايخ المدينة من المشايخ السلفيين المعروفين لدينا بالعلم والعقيدة السليمة، وأوصى الشباب بالاستفادة منهم وقراءة كتبهم وطلب العلم عندهم، ومن قال عنهم جامية فقد سبقوه أسلافهم عندما قالوا إننا وهابية، فنقول لهؤلاء على فهمهم نحن وهابية جامية كلنا جامية لأنها مصطلح جديد اخترعه جهال يريدون قذف دعوة الشيخ محمد عبد الوهاب فكلنا جامية وهابية لأننا سلفيون إن شاء الله تعالى. وكذلك قال عنه الشيخ في كتاب لسماحته محمد آمان جامي معروف لدي بالعلم والفضل وحسن العقيدة والنشاط في الدعوة لله سبحانه وتعالى والتحذير من البدع والخرافات غفر الله له وقال عنه هو ومجموعة من العلماء وطلبة العلم قد بينا رأينا بهم وأنهم من خواص إخواننا، ومن علماء السنّة، وأنصح بالأخذ عنهم. وكتب فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان الفوزان قائلاً الشيخ محمد آمان كما عرفته أن المتعلمين وحملة الشهادات العليا المتنوعة كثيرون، ولكن قليل منهم من يستفيد من علمه ويستفاد منه والشيخ محمد آمان الجامي هو من تلك القلة النادرة من العلماء الذين سخّروا علمهم وجهدهم في نفع المسلمين وتوجيههم بالدعوة إلى الله على بصيرة، من خلال تدريسه في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي الشريف وفي جولاته في الأقطار الإسلامية الخارجية وتجواله في المملكة لإلقاء الدروس والمحاضرات في مختلف المناطق يدعو إلى التوحيد وينشر العقيدة الصحيحة ويوجه شباب الأمة إلى منهج السلف الصالح، ويحذرهم من المبادئ الهدامة والدعوات المضللة، ومن لم يعرفه شخصياً فليعرفه من خلال كتبه المفيدة وأشرطته العديدة التي تتضمن فيض ما يحمله من علم غزير ونفع كثير، وكذلك مما قاله حفظه الله عنه هو أخونا وزميلنا تخرج من هذه الجامعة المباركة وذهب إلى الجامعة الإسلامية مدرساً في الجامعة الإسلامية وفي المسجد النبوي وداعياً إلى الله سبحانه وتعالى، وما علمنا عليه إلا خيراً وليس هناك جماعة تسمّى بالجامية هذا من الافتراء ومن التشويه هذا ما نعلمه عن الشيخ محمد آمان الجامي لكن لأنه يدعو إلى التوحيد وينهى عن البدع وعن الأفكار المنحرفة صاروا يعادونه ويلقبونه بهذا اللقب. وقال عنه فضيلة الشيخ صالح اللحيدان أنا أعرفه رجل طيب في نفسه سلفي العقيدة وهو من زملائنا في الدراسة وبعدها وكان على ما أعرف عنه على عقيدة أهل التوحيد. وكتب فضيلة الشيخ العلامة عبد المحسن بن حمد العباد المدرس بالمسجد النبوي حفظه الله، عرفت الشيخ محمد آمان بن علي الجامي طالباً في معهد الرياض العلمي ثم مدرساً في الجامعة الإسلامية بالمدينةالمنورة في المرحلة الثانوية ثم في المرحلة الجامعية عرفته حسن العقيدة سليم الاتجاه وله عناية في بيان العقيدة على مذهب السلف والتحذير من البدع، وذلك في دروسه ومحاضراته وكتاباته غفر الله له ورحمه وأجزل له المثوبة. وقال عنه العلامة ربيع بن هادي المدخلي: وأما الشيخ محمد آمان فما علمت منه إلا رجلاً مؤمناً موحداً سلفياً فقيهاً في دينه متمكناً من علوم العقيدة. ما رأيت أجود منه في عرض العقيدة، إذ كان الرجل قد درسنا في المرحلة الثانوية، درسنا (الواسطية والحموية)، فما رأينا أجود منه وأفضل، ولا أكبر على تفهيم طلابه من هذا الرجل وعرفناه بحسن الأخلاق والتواضع والوقار يُتعلم منه هذه الأخلاق.. وممن أثنى عليه وهم كثيرون ولكن اختصر منهم هؤلاء تلافياً للإطالة: مدير الجامعة الإسلامية الشيخ الدكتور صالح بن عبد الله العبود وفضيلة الشيخ محمد بن علي بن محمد ثاني المدرس بالمسجد النبوي وفضيلة الشيخ عمر بن محمد فلاتة المدرس بالمسجد النبوي ومدير شعبة دار الحديث رحمه الله، وفضيلة الشيخ الأستاذ الدكتور محمد حمود الوائلي المدرس بالمسجد النبوي والجامعة الإسلامية ووكيلها للدراسات العليا والبحث العلمي وفضيلة الدكتور محمد عبد الرحمن الخميس المدرس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والشيخ الداعية محمد عبد الوهاب مرزوق البنا. ومما سبق من كلام أهل العلم والفضل عن الشيخ محمد الجامي رحمه الله، تظهر مكانته العلمية وجهوده وجهاده في الدعوة إلى الله منذ ما يقرب من أربعين عاماً، وصلته الوثيقة بالعلماء واهتمامه رحمه الله وعنايته بتقرير وبيان العقيدة السلفية والرد على المبتدعة المتنكبين لصراط السلف الصالح ودحض شبههم الغوية، حتى يكاد يرحمه الله لا يعرف إلا بالعقيدة وذلك لعنايته بها، وكانت له مشاركات في التفسير والفقه مع المعرفة التامة باللغة العربية، ومع كل ما ذكرته من ثناءات لهؤلاء العلماء الجهابذة، إلا أن سياسة الإسقاط التي لا يجيد فنها وبئس الإجادة إلا مشايخ ومنظّري الإخوان المسلمين وطلبتهم، وكل من اغتر بفكرهم جاهلاً بمرادهم وبمآربهم، وبأن من أساليبهم رفع شعارات الطعن في الأشخاص والنيل من مكانتهم وبأي وسيلة من الوسائل، فالغاية عندهم تبرر الوسيلة، فقد استخدموا الكذب والإفك والبهت والبتر والتزوير والسب والشتم واعدد ما شئت من صفات الشر وخصال الشياطين لإسقاطه، وكل ذلك مخافة معرفة طلبة العلم والعوام بفكرهم وليشككوا الناس فيهم، في محاولة للفصل بينهم ليبعدوهم عنهم وعن مجالستهم أو حتى مطالعة كتبهم أو سماع أشرطتهم حتى لا يتثبتوا مما كان يذكره الشيخ عنهم، وكم من مغرر به أخذ يردد ما يملي عليه من سب في الشيخ محمد الجامي وطلبته دون تفقه أو تثبت؟. ولقد كان يرحمه الله حليماً رحيماً فبقدر ما واجه من الأذى والمحن والكيد والمكر، قابل من أساء إليه بالحلم والعفو وكان يأتيه مراراً بالمسجد النبوي أو في الطريق بعض مم كان ينال من عرضه بالسب أو الطعن أو الافتراء، فيستسمح منه فيقول رحمه الله: أرجو الله تعالى ألا يدخل أحداً النار بسببي، وكان يسامح من يتكلم فيه ويقول لهم وعنهم لا داعي لأن يأتي من يعتذر فإني قد عفوت عن الجميع ويطلب من جلسائه إبلاغ ذلك عنه. ابتلي في آخر عمره - رحمه الله تعالى - بمرض أرقده الفراش فصبر على ذلك واحتسب وفي صبيحة يوم الأربعاء السادس والعشرين من شهر شعبان سنة 1416ه أسلمت روحه لبارئها، فصلي عليه بعد الظهر ودفن في بقيع الغرقد بالمدينةالمنورة، فشهد دفنه جمع كبير من العلماء والقضاة وطلبة العلم وغيرهم، وبموته فقد عالم من العلماء العاملين، فنسأل الله تعالى أن يغفر له ويرحمه ويخلف على المسلمين عدداً من العلماء العاملين أمثاله، وقد تبيّنت الكثير من وجهات نظره الصائبة حول بعض الجماعات المنحرفة الضالة وخصوصاً جماعة الإخوان المسلمين وبعض دعاتها بعد عشرين سنة من وفاته يرحمه الله، فرأينا سباقهم المحموم على كراسي حكم طالما أفنوا أعمارهم لنيلها بتوظيف شعارات دينية لكسب قلوب عامة ولكسب عاطفتهم حتى يكونوا عوناً لهم لحظة انقضاضهم عليها، بعد أحداث ما يسمّى زوراً وبهتاناً بالربيع العربي وهو خريف سيطول أمده والله أعلم على شعوب تخلصت من طغاة مؤملة بحياة كريمة، وكنا ننتظر منها النهوض لتطالب بتحكيم شريعة من الله منزلة، فإذا هي تطالب بحرية وهمية ظانة أنها بعد هذه الثورات ستنال ما كانت تريده وتتمناه عن طريقها، فإذا بهذه الأماني تتحول لسراب يحسبه الظمآن ماء، فلهث خلفه فلم يجد نتائجه إلا إزهاقا لأنفس بريئة وتدميراً لممتلكات وانتهاكاً لأعراض وزعزعة لنعمة من أجلّ النعم وهي نعمة الأمن وغيرها كثير، لأنها ثورات لم تبن وتؤسس على ثوابت ومعتقدات دين تكفّل الله بحفظه وبنصر كل من يسعى لخدمته وفق قدرته واستطاعته. عبد الله سليمان الحميدي - محافظة الزلفي