ما نراه في هذه الحياة من التحديات، والمصاعب، والمتاعب التي تواجهنا والتي يفسرها كل شخص ٍ بطريقته ونظرته الخاصة. فبعض منا قد يخسر في مجالٍ ما كالتجارة مثلاً فينظر للخسارة بأنها بداية خير له، وبأنه وضع قدمه على طريق النجاح والتعلّم من خسارته للوصول إلى الربح والثراء، وإذا لم يكن كذلك واستمرّت الخسارة في ملاحقته فإنه سيرى أنّ الخسارة خير له لأن الغنى قد يفسد جوانب كثيرة من حياته، والمتزوج الذي لم يوفق في زواجه ويقول الحمد لله على ذلك وأن الله سوف يعوضني أفضل من تلك الزوجة ويعقد العزم على ألا يركز على الأمور والذكريات غير الجيدة سوف يجد ما يجعل حياته أكثر راحة واطمئناناً، والذي يفقد عزيزاً وقريباً كان يضفي عليه جزءاًً كبيراً من السعادة والمساعدة يعلم بأن الله وحده أعلم بخيريّة بقائه من عدمها، ومن يعاني من مرضٍ مزمن ولا يوجد في الطب علاج لهذا المرض ينظر إليه بأنه خير له وأن الله كتب له الخير فيه بأن يكفّر عنه ذنوبه فهو متعايش معه متّخذاً إياه كصديق منبّه له بنعمة الصحّة وقدرة الله على العطاء والأخذ، فبالتالي سيكون في أتم الرضا والسعادة. خلال تجربتي رأيت نماذج من الناس والمرضى الذين ينظرون للحياة بهذه الواقعية الإيجابية بدون أي تشويه وأذكر في هذا الصدد مريض فشل كلوي ولديه مرض السكر والضغط ومبتور القدم وغير متزوج ويبلغ من العمر 58 سنة عندما أقوم بزيارته بين الوقت والآخر أسأله عن حاله يقابلني بابتسامة وبوجه بشوش ويقول الحمد لله أنا بخير وقد يسأل بعض هل هو فعلاً ينظر للحياة بهذه النظرة السعيدة ويشعر أنه بخير وهو بهذه الحالة؟؟ والرد على ذلك نعم بالتأكيد لأنه ينظر للحياة بواقعية وبوضوح وبدون أي تشويه فهو يركز طاقته النفسية في حياته على الأمور الإيجابية والنعم والقدرات التي لديه ويمتلكها ولم يركز على الأشياء التي تنقصه لأنه لو ركز طاقته النفسية على النواقص والأمور السلبية في حياته لن يشعر قط بهذه السعادة ولن يستطيع حتى أن يتبسم. فالله هو الذي خلق العباد ومن صفاته الحكيم العليم العدل هو الذي كتب له ذلك فليس من المعقول أن يشك مجرد شك بأن الله ظلمه وجعله هكذا فهو مقسم الأرزاق من فوق سبع سماوات بالعدل وبالتساوي بين الناس، هذه هي الحقيقة الوحيدة والواقع الأكيد في هذه الحياة أن الله أعلم، وكما جاء في كتابه الحكيم {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} وأن بعضا من الناس يجهل كل الجهل حقيقة وواقع الحياة ويراها مشوهة، فكم رأينا من هم في نفس حالة هذا المريض أو أحسن حالاً وهم الذين يتمتعون بالصحة والعافية والأموال والأبناء ومع ذلك ينظرون للحياة بنظرة مشوهة ويفسرونها بطريقة غير صحيحة فهم لا يرون فيها إلا المرض والألم والفشل والتعاسة وكأن الحياة لا يوجد فيها ما يسر ويسعد ويبهج النفس ومنطقياً هذا سوف يؤدي بهم إلى تجنب التركيز على القدرات التي لديهم والمواقف والأحداث السعيدة في هذه الحياة، وبسبب ذلك تصبح حياتهم في تناقض مع قدراتهم وطاقاتهم الواقعية الفعلية فهم يتصرفون كما لو كانوا ضعفاء أو كما لو كان محكوماً عليهم بالهزيمة والحزن والتعاسة فتجدهم لا ينخرطون في نشاطات يمكن أن تظهر قدراتهم وتعمل على تغيير حسهم وشعورهم ونظرتهم للحياة بواقعية وفاعلية ايجابية لأن الحقيقة والواقع يقول إن في بإمكانهم بناء وجود فعال ومثمر لأنفسهم واستغلال طاقاتهم الكامنة وبإمكانهم أن يعيشوا حياة اسعد حياة خالية من التشويه ومتى يحصل ذلك..؟ إذا استعادوا حسهم الواقعي بالحياة واكتشفوا التشويه والأخطاء التي مروا بها مثل التركيز على الأشياء السلبية والأشياء التي تنقصهم والضعف والفشل والألم واستبدلوا تركيزهم إلى النعم والقدرات والطاقات التي يمتلكونها ويفسرون الأحداث الحياتية التي يمرون بها بطريقة واقعية وإيجابية ويكونون أكثر مرونة وعفوية هكذا سوف يستمتعون حتى بالنفس الذي يتنفسونه في هذه الحياة فالاتجاه الذي تنظر به إلى حياتك هو الذي يرسم مستقبلك. وأخيراً همسة في أذن كل قارئ انظر إلى حياتك بإيجابية ووضوح لتستطيع أن تحياها كعطر يفوح.