كثيرا ما أفكر في مفهوم التعاسة وكيف أنه لا معيار محددا للتعاسة في هذه الحياة، قد نجد أناسا يكادون يملكون كل شيء لكنهم تعساء، وقد نجد غيرهم ممن لا يملكون ربع ما لديهم من المزايا، لكنهم يغرقون في بحر من الإحساس الناعم لا يعرفون معه شيئا اسمه تعاسة!! هل هذا يعني أن التعاسة لا علاقة لها بما نملك وما لا نملك وأننا نحن الذين نصنع راحتنا أو تعاستنا بأيدينا؟ كيف يحدث ذلك؟ ولم يشعر بعض الناس بالتعاسة، أو متى يشعر الناس بالتعاسة؟ يقول علماء النفس إن الحياة لها وجهان أحدهما مضيء مشرق والآخر مظلم كالح، ومن رأى الوجه المشرق للحياة أشرقت حياته وغابت عنه مشاعر التعاسة، ومن حصر رؤيته في الوجه المظلم للحياة، أظلمت أيامه وانغمس في ركام من البؤس والشقاء، حسب هذا القول نحن نحس بالتعاسة ليس للحرمان من امتلاك ما نود امتلاكه أو نحتاج إلى امتلاكه، وإنما لأننا اخترنا النظر إلى الوجه المظلم من الحياة فتولد داخلنا الإحساس بالتعاسة تبعا لتلك النظرة التي اخترناها. ما الذي يحدد اتجاه رؤية الناس لما تصيبهم به الحياة فيجعلهم يوجهون دفة رؤيتهم نحو أحد جانبي الحياة دون الآخر؟ قد يحدث أحيانا أن نصاب بكارثة أو خسارة مادية أو نواجه بالخذلان على يد من نحب، أو نكتشف كذب من نثق فيه، فيكون أسلوب تفاعلنا مع تلك الخيبات هو ما يحدد وقوعنا في التعاسة، فنحن على الأغلب، نقابل الخيبات بمزيج من الشعور بالنقمة والحزن، ننقم على الدنيا أنها لا تعرف العدل، وعلى الحظ أنه يتقاعس عن خدمتنا ويتخاذل عن الوقوف إلى جانبنا. ونقع في الحزن لإحساسنا بالضعف وصغر الحجم وضآلة القدرة أمام الظلم نلمسه يقع علينا فلا نستطيع له دفعا، والقيد يحز أيدينا فلا نملك للقيد كسرا. في بعض المرات قد تتعرض أحلامنا للانهيار بعد أن نكون شكلناها في خيالنا، ونفخنا فيها روحا وحرارة جعلت منها حمائم وادعة ترفرف بأجنحتها البيضاء في سماء أيامنا، فيصيبنا انهيارها، حلما إثر حلم بحالة من الذهول والمرارة السامة، فيموت الفرح في أرواحنا، وينطفئ ما فيها من ضياء فينتشر الظلام داخل صدورنا. وحين نضطر إلى إسدال الستار عن مسرح الأحلام، يتلبسنا الجزع والهلع الشديد لإفلات ما كنا نحسب أنه لن يفلت من قبضتنا، يزيد في جزعنا أنا نعرف جيداً أن ما مضى مضى ولن يعود، وأن زمنا قطعنا لن يأتي ثانية بما نحب أبدا. هنا نغرق في التعاسة، تغرقنا التعاسة للشعور بالعجز واليأس، فاليأس رغم أنه في بعض الأحيان يكون دواء ضروريا للتخلص من خيبة انتظار ما لا يأتي، إلا أنه في أحيان أخرى يكون سما للبدن والعقل والروح، فليس هناك أتعس ممن يفقد خيط ضوء يربطه بالقادم من الأيام. فاكس 4555382-1