بالنظر إلى عرض التفاوض الذي قدمته إيران لمجموعة «5 + 1» الشهر الماضي، يمكننا أن نرى مساحات ربما يتفق عليها الجانبان في النهاية، لكننا في الوقت ذاته نرى أيضاً فجوة عميقة في المواقف الحالية ربما تكون نتيجتها انهيار المحادثات. ونقطة الاتفاق المحتملة هي المطالب بإيقاف إيران تخصيب اليورانيوم حتى 20% وأن تصدر شحناتها الحالية من ذلك الوقود. وعلى الرغم من أن نص الاقتراح الإيراني لا يذعن لذلك مباشرة، إلا أن العديد من المصادر الإيرانية صرحت بأن لغة الاقتراح تسمح بمساحة لعقد صفقة نهائية بشأن تلك القضية.والجانبان متباعدان حتى الآن في وجهات النظر، ولكن الطرف الإيراني يتفق مع المسؤولين الأمريكيين والأوروبيين بأن التوصل إلى صفقة بنهاية المحادثات ستكون مستحيلة. وربما ترغب إيران كما يأمل المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أن تستمر المحادثات بضوابط أخرى إذا ما حدث انهيار في المحادثات الحالية، ولكن هذا ليس مضموناً على الإطلاق. ولقد حصلت من مصادر مقربة من المحادثات على العرض ببرنامج «باوربوينت» المكون من 48 صفحة الذي سلمه المفاوضون الإيرانيون في موسكو، ولكنها وثيقة جدلية وتحمل وجهة النظر الإيرانية بلغة دفاعية، ولكنها حاسمة للغاية أيضاً في الوقت ذاته. والقضية الأساسية في وثيقة الإيرانيين، التي خصصوا لها الثلث الأول من عرضهم ، هو أن «تخصيب اليورانيوم هو حق أصيل طبقاً للاتفاقيات ولا يمكن التنازل عنه» بناء على معاهدة منع الانتشار النووي، التي وقعتها إيران في العقد الماضي، ولكن يقول بعض الخبراء الأمريكيين والإسرائيليين ان هذا الزعم محل تشكك، بسبب اللغة الغامضة لنصوص الاتفاقية، في حين يصر الإيرانيون على أن هذا الشرط هو حجر الزاوية بالنسبة لأي صفقة متوقعة. وقد فصل الإيرانيون خطوطهم الإرشادية في فقرة تحت عنوان «الإطار العام لحوار شامل لتعاون مرغوب فيه وطويل الأمد». وكخطوة أولى «يؤكد الإيرانيون على معارضتهم لأي أسلحة نووية بناء على فتوى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي فيما يتعلق باستخدام مثل تلك الأسلحة»، وفي المقابل فإن الولاياتالمتحدة وبريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا يمكن أن تعترف بحقوق إيران طبقاً لاتفاقية الحد من الانتشار النووي، «خاصة نشاطاتها المتعلقة بالتخصيب». وبعد ذلك تقترح إيران «إجراءات شفافة» يمكن أن تشتمل على تعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بما أوردته الوكالة في مارس الماضي على أنه «أبعاد عسكرية محتملة» للبرنامج النووي، في حين تصر إيران على سلميته. وفي المقابل، يمكن أن توقف الولاياتالمتحدة وحلفاؤها عقوباتها أحادية الجانب خارج إطار الأممالمتحدة. والخطوة الثالثة عبارة عن عرض تم صياغته بغموض للتعاون مع مجموعة الخمسة + 1 لتوفير الوقود المخصب المطلوب لمفاعل الأبحاث بطهران الذي يستخدم وقود مخصب بنسبة 20%، وتقول المصادر الإيرانية ان تلك الإشارة العابرة تفتح الباب أمام تلبية المطالب بشأن الوقود المخصب بنسبة 20%، الذي تم وصفه في عرض وقف تخصيب اليورانيوم واستيراده من الخارج. وفي المقابل، فإن الإيرانيين يريدون إنهاء العقوبات الأممية عليهم. وبقراءة الوثيقة المقدمة من الإيرانيين، فإن من الواضح لماذا يرى المفاوضون الغربيون طريقاً مسدوداً في الأفق، فحتى إذا ما تم تحسين لهجة الكلام المتعلق بنسبة التخصيب 20%، فإن العرض الإيراني يرفض بشدة المطالب الغربية الإضافية لإغلاق منشأة فوردو، الموغلة في عمق الجبال المتاخمة لمدينة قم الإيرانية. ويفسر التقرير لماذا تلك المنشأة عالية التحصين والحراسة، حيث يقول إنه «بمواجهة التهديدات المستمرة، فإننا بحاجة إلى منشأة احتياطية لحماية نشاطاتنا في تخصيب اليورانيوم»، في حين أن هذا بعينه ما يقلق الولاياتالمتحدة وإسرائيل. ولمزيد من تعقيد القضية، اقترح الإيرانيون أيضاً التعاون في «القضايا الإقليمية « في مقابل مساعدتهم في «مكافحة القرصنة ومكافحة نشاطات تهريب المخدرات». ولكن ذلك لن يتوافق مع واشنطن، كما صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنه سيعارض أي صفقة لا توقف نشاطات التخصيب الإيرانية بصورة كاملة والتخلص من الوقود المخصب الذي يبلغ ستة أطنان، إضافة إلى المواد المخصبة حتى 20%. فإذا ما انهارت المفاوضات ، فإن السؤال سيكون إذا ما كانت المفاوضات يمكن أن تبدأ على مسار آخر أم لا، ففي السنوات القليلة الماضية، أعطى الإيرانيون إشارات إلى أنهم مستعدون لأية محادثات ثنائية سرية مع الولاياتالمتحدة، وأشارت العديد من المصادر الإيرانية أن ذلك لا يزال ممكناً. ولكن الوقت قصير، وضغوط عام الانتخابات ستجعل من عقد مقايضات حقيقية عملية صعبة للغاية. هناك ضغوط على إيران للتوصل إلى صفقة، وقد أثبتت العقوبات أنها أثرت على العملة وعلى الأسواق المالية وعلى النشاطات التجارية في إيران، والجولة الجديدة من العقوبات من المتوقع أن تخفض صادرات النفط الإيرانية. وقد بدأ الصقور في البرلمان الإيراني الدعوة إلى إجراءات مضادة لمعاقبة الولاياتالمتحدة وحلفائها، أو أن تقوم إيران بالانسحاب من معاهدة الحد من الانتشار النووي وأن توقف التعاون مع المفتشين، ولكن تلك الإجراءات يمكن أن تستدر رداً عسكرياً أمريكيا. ولكن هناك عنصراً آخر لفت انتباهي، وهو التحذير بأن إيران ربما تحتاج المزيد من الوقود المخصب بنسبة 20% عما هو متوقع بسبب خططها لإنشاء «أربعة مفاعلات أبحاث أخرى على الأقل»، ومن أجل تصدير الوقود المخصب «إلى دول أخرى». ربما تلك هي وسيلة مقايضة لإيران بدون أن يكون لها نصيب من الواقع، ولكن ربما تكون أيضاً مؤشراً على أن تلك المفاوضات تتجه لا محالة إلى الهاوية. ربما يكون لدى الإيرانيين صفقة مقايضة ما في ذهنهم، ولكن لا يزال من الصعب للغاية رؤيتها في عرضهم. * (واشنطن بوست) الأمريكية