إعداد - سالم اليامي / أدار النقاش - الدكتور فايز الحبيل: ناقش عدد من المختصين في مجال تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، واقع البرامج والتجارب المتعلقة بهذا الجانب الحيوي، ومدى نجاحها في استثمار الأموال والطاقات الشابة بما يعزز من مسيرة الاقتصاد الوطني، والدفع به نحو آفاق أرحب، كما استعرضوا أبرز المعوقات التي تعترض هذا التوجه، لتحليلها وطرحها ضمن أوراق عمل، تهدف بالمحصلة إلى تحديد نقاط الضعف في برامج وآليات تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة لتلافيها أو التقليل من تأثيرها على هذا القطاع مستقبلاً، وناقش المختصون أيضًا دور البنوك والشركات المصرفية في هذه البرامج، ونوعية مشاركتها وحجمها. واقع الصناعة السعودية بداية تحدث المهندس أحمد بن سليمان الراجحي رئيس اللجنة الصناعية في الغرفة التجارية الصناعية بالرياض عن واقع الصناعة السعودية، حيث قال: إن واقع الصناعة في المملكة يتحدث عن نفسه وبالأرقام، حيث يوجد حاليًا أكثر من 6000 مصنع وبحجم استثمار يفوق 300 مليار ريال سعودي، فاليوم تُعدُّ المملكة الأولى في الشرق الأوسط من ناحية حجم الاستثمار ونوعية المصانع وحجم التصدير ونوعية الصناعة، ولكن طموحنا دائمًا هو البحث عن الأفضل، فنمو الصناعة الثانوي هذا يُعدُّ نموًا جيدًا بالرغم من وجود بعض المعوقات، والقابلة للحل التي يوجد توجه من الدَّولة لحل مثل تلك المعوقات، ومما يدل على ذلك التوجه موضوع الاستراتيجية الصناعية التي تعثرت ولكنها على وشك الخروج من عثراتها التي تتحدث عن مضاعفة الإنتاج ثلاثة أضعاف عند العام 2020 م، والوصول بالناتج المحلي إلى نسبة 20 في المئة، فكل تلك الأمور تدل على أن الصناعة أصبحت خيارًا اقتصاديًا إستراتيجيًا للبلد، ولا اعتقد اليوم أننا نسأل: هل الصناعة مجدية أم لا؟ ولكننا نسأل بما أن الصناعة محور مهم للاقتصاد، فكيف يمكن تفعيل هذا القطاع ليكون منتجًا من جميع النواحي سواء من ناحية التوظيف أو من ناحية القيمة المضافة أو من ناحية مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، أو بالنسبة للصادرات؟ وتداخل هنا المهندس عبد العزيز العبودي قائلاً: قبل أن نجيب على تساؤل المهندس أحمد، يجب أن نتوقف عند تطور الصناعة وخلال السنوات الخمس الأخيرة فإننا نجد أنها تُعدُّ سنوات استثنائية نتيجة للتغيَّرات التي اجتاحت الساحة العالمية الاقتصادية والمالية بما فيها الأحداث التي كانت خلال العامين 2008م و2009م وفترة الانتعاش التي حدثت في العام 2010م وما بعدها، فتُعدُّ الصناعة كواحدة من الشواهد الرئيسة التي أثبتت أن المملكة وبعد مرور تلك الأزمة التي أضرت بكثير من دول العالم أنها مازالت قوية ومتماسكة ولله الحمد، لذلك فإنني اعتبر أن السنوات الخمس القادمة سوف تكون سنوات طفرة على مستوى الصناعة المحلية بإذن الله، الذي بدوره يتطلب معها وجود آليات وحلول للتمويل الصناعي لتتماشى مع النمو الصناعي المتوقع. وأضاف العبودي قائلاً: ومع هذا النمو المتوقع خلال السنوات القادمة يجب أن نعترف أن قطاع الصناعة مازال بحاجة إلى المزيد من الاستثمارات وإلى مزيد من ضخ الأموال، وخصوصًا إذا ما نظرنا إلى الميزان التجاري وقارنا ما بين التصدير والاستيراد في جميع القطاعات نجد أن نسبة الاستيراد مرتفعة بشكل كبير، وهذا يؤكد أنه ليس هناك اكتفاء ذاتي من المنتجات المحلية مما يدل على الحاجة إلى الصناعة بشكل أكبر ويمكنك أن تقيس ذلك على مختلف القطاعات الأخرى في الدَّولة. واقع التمويل للمنشآت الصناعية أما الأستاذ خالد القويز فكان له رأي حول واقع التمويل للصناعات المحلية قائلاً: إن الصورة في هذا الموضوع تختلف من صناعة إلى أخرى فقد يكون هناك نوعية من الصناعات لا تواجه صعوبة أو تحدِّيات في الحصول على تمويل مناسب، ولكن هناك صناعات أخرى تواجه مشكلة كبيرة في ذلك، فعلى سبيل المثال نجد أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تواجه مشكلات كبيرة في الحصول على تمويل مناسب لأنشطتها. وأكّد على ذلك المهندس محمد الجعيد قائلا: أشارك الأخ خالد الرأي ولكن يجب علينا أولاً تعريف موارد التمويل.. أما المقصود بالمشاريع الصغيرة فهي التي رأسمالها يصل إلى خمسة ملايين ريال، وتمثِّل 37 في المئة من المنشآت بشكل عام والمشاريع المتوسطة وهي التي يكون رأسمالها ما بين خمسة ملايين ريال كحد أدني إلى خمسين مليون ريال كحد أقصى وتمثِّل 50 في المئة، والمشاريع الكبيرة تمثِّل 13 في المئة التي هي من خمسين مليونًا فأكثر، وهذا يعنى أن لدينا إشكالية في مناسبته 87 في المئة من حيث التمويل وهي النسبة التي تمثِّل المنشآت الصغيرة والمتوسطة، وأعتقد أن الخلل في التمويل يكمن في أن متطلبات صندوق التنمية الصناعي للحصول على التمويل يجب أن يوفر ضمانات وتقديم قوائم مالية وأمور أخرى، فأحيانًا نجد أن المشاريع الصغيرة والمتوسطة تبدأ من المؤسسين الذين لا يملكون الملاءة المالية، ولا يوجد عندهم عقار للرهن ولا يوجد عندهم شركات يمكن أن يقدمونها كضمان في حالة التمويل، في حين نجد أن الشركات القائمة والكبيرة ليس لديها مشكلة في عملية التمويل من ناحية تقديم جميع القوائم المالية والضمانات الشخصية، وهذه المتطلبات تعيق نمو الصناعات الصغيرة والمتوسطة، التي يمكن بدورها توظيف واحتواء عدد كبير من العمالة الوطنية ولحل مثل تلك المعوقات فقد تم إنشاء (برنامج كفالة) من أجل أن يدعم الشركات الصغيرة وبحد مليوني ريال من خلال البنوك التجارية، وبضمان من البرنامج يصل ل 75 في المئة من إجمالي التمويل، في حين أن هناك قلة من المصانع التي تقوم على أساس مليوني ريال كرأسمال، وذلك كون أكثر المشاريع الصناعية غالبًا رأسمالها يبدأ من خمسة ملايين ريال فما فوق، ومن خبرتي البسيطة والحديث هنا للمهندس الجعيد، كان هناك عدة مشاريع وعدة مصانع تبناها شباب طموح لديه خلفية صناعية كبيرة ولكن ليس لديه الملاءة المالية فكان يواجه صعوبة كبيرة في إيجاد التمويل اللازم من الجهات المعنية، لذلك نطالب البنوك التجارية عدم منح التمويل بناء على اسم وتاريخ رجال الأعمال، بل التركيز على جدوى المشروع اقتصاديًا، ودعم هذه المشاريع متى ما اتضحت جدواها الاقتصادية وذاك كمساهمة منها في نمو الصناعة الوطنية، كما نطالب برنامج كفالة برفع سقف التمويل بحد أدني إلى 10 ملايين ريال لتستفيد منه المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وأعتقد أن التمويل يمثل الجزء الأكبر من التحدِّيات الي تواجهنا كصناعيين. البنوك والاستثمار الصناعي وعن مشكلة التمويل وعدم دخول البنوك كمستثمر قال المهندس أحمد الراجحي: إن أي مقرض يعطي قرضًا هو في الأصل معرض للمخاطرة، وعن هل البنوك التجارية يجب أن تكون مستثمرة أم لا؟ قال الراجحي: بحسب معلوماتي فإن هذا نظام مفروض على البنوك من مؤسسة النقد، إذ ليس لهم الحق في الاستثمار، بل التمويل فقط، أي أن النظام لا يسمح للبنك بأن يكون مشاركًا أو مستثمرًا، وبالتالي فإن السؤال الذي يجب أن يطرح هنا: هل البنوك التجارية تقوم بدورها في التمويل؟ اعتقد أنها تقوم بدور كبير، ومن خلال تجربتي الشخصية، فالبنوك التجارية تتكون من المساهمين الذين يبحثون عن الربحية ويسألون على النتائج ويوجد بنك ناجح وبنك أقل نجاحًا، فالبنك لا بد أن يحمي رأسماله واستثماراته وبالتالي لا يلام إذا فكر بعقلية تجارية، وكثير من البنوك التجارية تعتمد بشكل كبير على نتائج تقييم صندوق التنمية الصناعي، وكنت أتمنى أن تكون البنوك التجارية لديها القدرة التحليلية للمشاريع الصناعية، بحيث تقرض بغض النظر عن نتيجة إقراض أو تقييم الصندوق الصناعي من عدمه، لأنّه اليوم إذا اشترط البنك التجاري أنه إذا اقترضت من الصندوق الصناعي سوف أقرضك، كما أرى والحديث هنا للمهندس الراجحي أن صندوق التنمية الصناعي يُعدُّ من أفضل الجهات التمويلية وأفضل الحوافز الموجودة في المملكة لجذب المستثمر الصناعي المحلي والأجنبي كمؤسسة تمويل، فقد قام بإقراض مبالغ كبيرة جدًا وكان سببًا من أسباب النمو في الصناعة المحلية وحتى إن نسبة استرداده للأموال المقرضة كان مميزًا جدًا، لأنّه يعمل دائمًا من خلال تقييم جيد وبالتالي نسبة عدم السداد لديه متدنية جدًا، وبحسب الإحصاءات، فإن نسبة المبالغ غير المستردة أقل من 0.5 في المئة. وبالرغم من كل هذا النجاح فهناك مواطن خلل، التي منها تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة يجب أن يكون الصندوق أكثر جرأه وأكثر إقدامًا على تمويلها سواء من خلال برنامج كفالة أو غيره، كذلك في الفترة الأخيرة لاحظنا أن تكلفة التمويل من الصندوق الصناعي أصبحت عالية جدًا، فكانت سابقًا النسبة التي تستقطع عند بداية القرض كانت أقل من 6 في المئة، والآن وصلت إلى 8 في المئة وتكلفة المتابعة كانت أقل من 0.25 في المئة، واليوم أصبحت أكثر من 0.5 في المئة، في حين إن مفهوم الإقراض من الصندوق أنه من دون فوائد، وبالمقارنة بين أسعار الفوائد اليوم التي يأخذها الصندوق مع الفوائد التيأخذها مؤسسات التمويل الأخرى نجد أن تكلفة الصندوق أعلى من فوائد البنوك التجارية لذلك يجب على الصندوق مراجعة هذا الأمر حتَّى لا يتحول إلى بنك تجاري آخر هدفه الأساسي الربحية فقط ويبتعد عن دورة الأساسي الذي أنشئ من أجله وهو تنمية الصناعة المحلية. وفي هذا الجانب يتساءل المهندس محمد الجعيد عن التمويل من البنوك التجارية قائلاً: لماذا لا تضع البنوك التجارية في حساباتها نسبة بسيطة لتمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة كمساهمة منها في تنمية الصناعات الوطنية والاقتصاد الوطني، علمًا بأن نسبة المجازفة ضئيلة جدًا متى ما توفرت الجدوى. ويتداخل عبد العزيز العبودي في ذلك أن التصنيف الائتماني للشركات عامل يجب أن تهتم به جميع مؤسسات التمويل سواء كانت البنوك أو المؤسسات الحكومية أو الشركات، وذلك لتسهيل عملية تقييم الشركات ومدى أهليتها للحصول على قرض، وهناك نقطة مهمة يجب أن نتوقف عندها، وهو معدل النمو في عرض فائض السيولة الذي يُعدُّ مرتفعًا جدًا، وهذا من المفترض أن يوجه إلى الاستثمار وتنمية الصناعة، ومن الملاحظ في واقع السوق المحلي وخصوصًا في السنوات السابقة أن مؤسسات التمويل تتجنب التمويل الصناعي بشكل كبير وتتجه لصناعات أخرى بها استقرار أكثر وفيها ضمانات أكثر التي منها على سبيل المثال العقار. المنشآت الصغيرة والمتوسطة وفي هذا الجانب قال الأستاذ خالد القويز: للأسف حتَّى الآن لم نتفق على تعريف محدد للمنشآت الصغيرة والمتوسطة، فالأمور غير واضحة ومن هنا تأتي مشكلة التمويل، واعتقد أن هناك أكثر من تعريف للمنشآت الصغيرة والمتوسطة. وحسب خبرتي فإن المنشآت الصغيرة هي التي رأسمالها تحت 10 ملايين ريال، أما المتوسطة فهي تبدأ من 10 ملايين ريال وحتى 100 مليون ريال، وهناك بعض البنوك يعدّون المنشآت الصغيرة هي التي أقل من 50 مليونًا، أما المتوسطة فهي من 50 إلى 500 مليون ريال، واعتقد أن المشكلة الأخرى وهي التي تواجه هذه المنشآت تتمثِّل في بيئة العمل. فالأنشطة الصناعية تختلف عن الأنشطة الأخرى، ففيها تفاصيل معقدة ومتطلباتها مختلفة، فكل مصنع يختلف عن الثاني. بشكل عام الصناعة تحتاج إلى تمويل طويل الأجل وكلما طال أجل القرض زادت المخاطرة، فإذا كنت صاحب تجارة فإنك تستورد وتبيع، فالزبون موجود أمامك والسوق أمامك وسعر التكلفة موجود، أما إذا قمت بإنشاء مصنع مثلاً فبعد 3 سنوات تبدأ في جني الأرباح. أيضًا بيئة العمل لدينا فيها خلل أو قصور فالمقرض أو المستثمر قد يكون هدفه تنمويًا، ولكن في آخر المطاف هو يبحث عن تحقيق أرباح، فهو دائمًا يسعى إلى كيفية تخفيف المخاطرة، وذلك من خلال معرفة النشاط ومعرفة تفاصيله ودراسته، حيث يطلب دراسة جدوى اقتصادية جيدة يعتمد عليها على الأقل في التعرف على ما يمكن تحقيقه من وراء هذا المشروع في المستقبل. وهنا يتساءل الأستاذ القويز: هل لدينا قاعدة بيانات حديثة متكاملة نستطيع أن نعتمد عليها؟، أشك في ذلك، كذلك أعتقد أن الضمانات تمثِّل الوسيلة الرئيسة لي كمقرض لذلك فإنني أتطلَّع إلى أن يرهن لي المصنع بخلاف الصندوق الصناعي فإن البنوك التجارية كمقرض هل تستطيع أن ترهن المصنع؟ الجواب..لا، فإذا تم عمل ذلك فإنه يتم بطرق ملتوية. والسؤال الآخر والمهم إذا فشل المشروع لا قدر الله فهل استطيع أن أبيع هذا المصنع بشكل سلس وبلا مشكلات؟، الواقع أن الإجراءات القانونية لا تساند بالشكل الفعَّال، حق المقرض في الحصول على حقوقه. فالرهن ليس موجودًا، لذلك فكل تلك الأشياء لا يجب أن نغفلها لأنّها ثغرة ونقطة ضعف في تركيبه الوضع القانوني والاقتصادي التي لها تأثير مباشر وسلبي على توفير التمويل، فلا بد من وجود نظام تكاملي على أساس أن كل فرد يأخذ حقه بدءًا من المعلومة مرورًا بالسياسات وانتهاء بالمؤسسة المالية. ويتداخل هنا المهندس محمد الجعيد قائلاً: هناك مداخلة بسيطة فيما يتعلق بما أثاره الأستاذ خالد القويز عن رهن المؤسسة أو المصنع، الوضع السائد الآن في السوق أن الصندوق الصناعي هو الوحيد الذي له الحق في رهن معدات المصنع أو رهن المصنع ولا يسمح للبنوك التجارية أو غيرها بذلك، فيجب تعديل هذه المعادلة حتَّى يكون لدى البنوك التجارية حافز، والمعلوم أن الصندوق هو شريك في 50 في المئة من المنشأة فيجب تعديل هذه المعادلة حتَّى يكون لديّ البنوك التجارية حافز بحيث يسمح للبنوك برهن المعدات أو المصنع مقابل نسبة التمويل، ومن وجهة نظري قد يكون سببًا آخر في إحجام البنوك التجارية عن تمويل المنشآت الصغيرة والمتوسطة وذلك راجع إلى استخدام قاعدة 80-20، فالبنوك من خلال هذه القاعدة تسعى إلى تحقيق 80 في المئة من دخلها من 20 في المئة من عملائها، علمًا بان هناك مصانع وشركات صغيرة ومتوسطة وأداءها المالي جيد وربحيتها ممتازة ومع ذلك يجدون صعوبة في الحصول على تمويل من البنوك التجارية، وذلك لأنَّ البنوك تفضٍّل أن يكون التمويل لا يقل عن 100 مليون ريال، حيث لسان حالهم يقول: إن الإدارة التي تدير 100 مليون يمكنها إدارة مليار فلا داع أن تشغل بال موظفيها وإدارتها بمبلغ 50 مليونًا أو 100 مليون ريال بينما يمكن توظيف هذه الطاقات فيما فوق ذلك.