هذه المرة، سأكون مع ساهر على الإطلاق وبدون تحفظ، السلوكيات الشبابية الخاطئة كثيرة، تتنامى عندما تحظى بالتشجيع الحضوري أو الإعلامي، ويبقى المجتمع بمؤسساته الرسمية مغمضاً عينه عنها، رغم خطورتها وضررها على صاحبها وعلى من حوله، تتم وتترك تمارس تحت مظلة الترفيه المنتهي بالكارثة، هواية التفحيط عند الشباب، يا ترى ما أسبابها؟ وما دوافعها؟ وماهي طرق علاجها؟ لا شك ولا ريب أن هذه القضية لو لم تجد دعماً لوجستياً، لما استمرأها أهلها ودعاتها، نعم عندما ترى مجموعة شباب يمارسون عمليات التفحيط في ساحة محددة، كساحة القصاص أو في شارع واسع معلوم لدى هؤلاء، محاطون بجمهور يرفع أصوات ورايات التشجيع والتأييد، يقوم المفحطون بهذه العمليات الانتحارية المتهورة والمزعجة، تسمع صرير كفرات سياراتهم المخيف على مسافة بعيدة كأنها صفارات إنذار من هولها، وتشاهدهم بحركاتهم البهلوانية الحلزونية، تقشعر لها الأبدان ويشيب لها الولدان، وتشاهد بأم عينك ضحايا هذا اللون من اللعب بالحديد، يتدحرجون ويتساقطون من حولك، فينقلب الفرح غير الموزون إلى ترح وبكاء، ليس بوسعك أن تعمل شيء إزاء هذا العبث بالممتلكات والأرواح، وهذا الإهمال المتعمد من جهات الاختصاص، تلوم حينها (المرور والإعلام) الأول أشبه بالتأشيرة التي غضت الطرف عن أصحاب هذه الممارسات وعواقبها، وأذنت لهم - راغمة أو مرغمة - بالدخول في هذا النفق المظلم، والأخرى كالوقود الذي يتزود به أصحاب هذه الهوايات البهلوانية المميتة، ديننا الحنيف وجهنا بالمحافظة على الكليات الخمس (الدين والنفس والمال والعقل والنسل) وممارسة التفحيط سبب رئيس لإزهاق النفس، والله سبحانه يقول { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ }، أو العقل بسبب الإعاقة الجسدية والفكرية الناجمة من حوادث التفحيط، والشواهد ماثلة داخل المستشفيات، أو بسبب إتلاف المال بإتلاف المركبات، هذه الأمور مسلمات ليس بوسع أحد إنكارها، عملية القضاء على هذه الثقافة المزعجة في مجتمعنا ليست من الصعوبة بمكان، متى ما صدقت النوايا وجد الجادون من أهل الفكر الاجتماعي والنفسي وأهل الاختصاص الرسمي، كم كنت متمنياً أن يوجه نظام ساهر آليته، لرصد هذه الممارسات الكارثية عن طريق الأقمار الاصطناعية، بالتأكيد أنه سيمسك عصفورين بحجر واحد، سيجني الذهب جراءها، باعتبارها مخالفات مرورية صريحة لا تقبل الجدل ومسبقة الدفع يلهث وراءها، هذه مجهة، وسيكفي المجتمع شرها من جهة أخرى، أتذكر مع بداية انطلاقة القناة الرياضية في تلفزيوننا العزيز، ثمة برنامج يعنى بالشباب ويركز على عملية التفحيط، يستضاف فيه هواة التفحيط ومحترفوه، ممن زعموا أنهم تابوا عن أفعالهم الخاطئة تلك، وكانت القناة تعرض في حلقات البرنامج عمليات تفحيط انتحارية مصورة، راح ضحيتها شباب تشاهدهم أمامك صرعى، يفتخر بهذه الحلقات مدير القناة آنذاك ومعد ومقدم البرنامج، وكنت وقتها أحذر المسؤولين في القناة من مغبة التمادي في عرض مثل هذه السلوكيات الخاطئة، باعتبار أن ذلك تكريس إعلامي وتشجيع مباشر لها وتعزيز لدورها المهلك، لكن الآخر يعتبرها باعتقاده التسويقي، مادة برامجية مشوقة تجذب المشاهد لقناته، ويعتبرني متحجر الفكر، واليوم المرور كأنه صحا من غفلته إن كان ثمة صحوة، مما دعاني لكتابة هذا المقال، فقد قرأت بإحدى الصحف خبراً يحمل عنواناً ملفتاً، يقول «حملة أمنية مرورية تضرب (بلطجة التفحيط) بالرياض» يشي بعقد النية والإصرار على تنفيذ حملات تستهدف المفحطين والقبض عليهم، باعتبارهم بلاطجة وشبيحة طغاة سرايا التفحيط، يمارسون تجاوزات خطرة تشكل ضرراً كبيراً على المجتمع، الكل يتمنى أن تجد هذه الآفة المزعجة والقاتلة، عقولاً نيرة ومخلصة داخل أروقة إدارات المرور، تشدد الحصار عليها وتجفف منابعها وتقضي على مصادرها، لأنها باتت الهاجس المخيف للمجتمع، يضطلع بها شباب غير مكترث بالمسؤولية، تلعب بهم أنياب هذه الذئاب، لتجرهم لأمور منافية للأخلاق غير خافية على ذوي الألباب، أرواح تزهق، وأموال تنفق، وممتلكات تتلف، لا لهدف سام، بل لإشباع رغبة شهوانية آنية طائشة ولا أخلاقية، تجلب بنتائجها الاجتماعية السلبية، الويل والعار والخزي والحسرة لصاحبها وذويه ومن طاله شرها، دعوة مرة أخرى لمرورنا العزير، بأن يكون (بلطجية وشبيحة وعربجية التفحيط) تحت رقابة كاميرات ساهر، وإدراجهم ضمن المخالفات المرورية المغلظة، وأن يدخل المرور السري بشكل سريع وفاعل ومباشر في هذه الخدمة المجتمعية، وإلا سنبقى داخل حلقة مفرغة، وسيكون هؤلاء والمرور معاً، أشبه بلعبة القط والفار، وكأنك يا بو زيد ما غزيت... ودمتم سالمين. [email protected]