ظفرت موسكو في نهاية القرن السابع عشر، بشرف ميلاد بوشكين فيها, وبوشكين هو مؤسس وأب الأدب الروسي الذي يعترف بعبقريته العالم, وكان بوشكين سليل اسرة عريقة من النبلاء، إذ كانت أمه حفيدة ابرام غنيبال الأمير الحبشي الذي اختطفه الأتراك وأرسلوه هدية الى القيصر الروسي بطرس الأول, وقد وصف بوشكين جد أمه هذا في روايته التاريخية زنجي بطرس الأول . عاصر بوشكين في حياته القصيرة أحداثا جساما، فانطبع في ذاكرته الى الأبد، المد الوطني الذي اثارته الحرب في بداية العقد الثاني للقرن الثامن عشر, كما شهد اندحار قوات نابليون، وعودة المنتصرين الظافرة الى أرض الوطن, وفي بداية العشرينات من القرن التاسع عشر، شهد نهوض حركة التحرر الوطني في أوروبا الغربية. وإثر احتدام الأوضاع السياسية في روسيا، وتأسيس الجمعيات السرية التي استهدفت القضاء على نظام الرق، كان بوشكين البلبل الذي غنى أناشيد الحرية، وعبّر عن النزعات التحررية لشبيبة النبلاء المتقدمة، وذاعت أشعاره السياسية التي ناهض فيها التحكم والطغيان، وتبنى بها حقوق الشعب الانسانية, من مثل قصيدته الغنائية الحرية والقرية والى تشادايف وغيرهما,, وقد طالب القيصر الكسندر الأول بنفي بوشكين قائلا:إن بوشكين قد أغرق روسيا بالأشعار المثيرة التي تحفظها الشبيبة كلها عن ظهر قلب ونفي بوشكين الى طرف روسيا الجنوبي، فألهمته سنوات النفي عمله الابداعي الغر قصيدة روسلان ولودميلا وتوالت في بداية العشرينات قصائد بوشكين الجنوبية أسير القفقاس، ونافورة باخنشي، سراء والفجر . وأدمنت الحكومة القيصرية، ملاحقة الشاعر الأبي، فطاردته حتى قرية نائية في ولاية بسكوف، ووضعته تحت رقابة البوليس. عاش الشاعر في قرية ميخائيلو فسكويه، حياة منعزلة أثقلها بالقراءة والابداع، واحتك بحياة الفلاحين، وتفاعل معهم بقوة، واستمع بشغف كبير الى حكاياتهم الشعبية، واستلهم معظم رواياته الشعرية من هذه الحكايات، فكتب الى أخيه يقول:ما أكثر ما في هذه الحكايات من سحر إن كل واحدة منها قصيدة شعر . كانت حياة بوشكين القصيرة، رغم القلق الذي اعتوره فيها، ومعاناة النفي والمطاردة والانعزال، كانت حياته تفيض بالانتاج الحيوي على الصعيدين الشعري والنثري فقد أبدع بوشكين الشعر الغنائي على مذهب الابداعيين، وقد انعكس في شعره كلفه بالحرية، وايمانه الأكيد بمستقبل وطنه الأفضل، ومشاعره الوطنية الأبية، هذا بالاضافة الى آرائه في الفن والشعر وتصوره للمشاعر الخالدة كالصداقة والحب وقد أدرك بوشكين بفطرته الشعرية أن الشعر الغنائي أفصح تعبير عن رسالة الأديب في إصلاح العالم،وأكد في أكثر من مناسبة، على دور الأدباء الطليعي في بناء عالم أفضل للبشرية. ومن أهم مؤلفاته الشعرية: بوريس عذونوف: التي عرض فيها مشكلة العلاقة بين القيصر والشعب بكثير من الحدة، وقد سرت في اعطاف هذه الدراما التاريخية، روح الرفض لطغيان الحكم المطلق، وهي تتعدى حدود تصارع الأفراد الى تقرير مصير شعب. يفغيني أونيفين: وهي قمة أعمال بوشكين الأدبية، إذ استغرق في انجازها ما يزيد على الثمانية أعوام، ويرى الناقد الروسي بيلنسكي في هذه الرواية الشعرية الهامة موسوعة الحياة الروسية,وأما ملكة البستوني، فتعتبر رائعته العصماء في مجال النثر وهي نموذج القصة القصيرة من حيث دقة بنائها، وجاذبية حبكتها، ومهارة كتابتها، وقد صور بوشكين في شخصية هيرمان بطل القصة نموذجا لبطل جديد مفترس نفعي، له مظهر نابليون، وروح خيلسيسن وسرعان ما تخطفت يد المنون بوشكين من سماء الأدب العالمي، حيث قضت مبارزة فاجعة على حياة هذا الشاعر العظيم في عام 1837، ولقد هز موت بوشكين روسيا كلها، وقال فيه الشاعر الروسي يتوتتشيف لن ينساك قل روسيا مثل حبه الأول,, فانتهت بذلك، حكاية شخصية قلقة كانت مسكونة بهاجس وطن نفى عنه وانعزل حتى قضى نحبه في المنفى بعيدا عنه وعن الشعب الذي أحبه,.