وزير الدفاع يلتقي حاكم ولاية إنديانا الأمريكية    مؤتمر ومعرض دولي للتمور    أمير منطقة تبوك يستقبل وزير البلديات والإسكان ويستعرضان المشاريع    أمين عام التحالف الإسلامي يستقبل وزير الدولة لشؤون الدفاع النيجيري    أصول الصناديق الاستثمارية الوقفية بالمملكة ترتفع إلى مليار ريال    "ماونتن ڤيو" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب العالمي 2024" بإطلاق أول مشروع لها بالرياض ونجاح يُعزز حضورها الباهر    السعودية وعُمان.. أنموذج للتكامل والترابط وعلاقات تاريخية وطيدة    أرامكو السعودية و"سينوبك" و "فوجيان للبتروكيميائيات" تضع حجر الأساس لمشروع جديد للتكرير والبتروكيميائيات في الصين    مستشفى الحرجة يُفعّل التطعيم ضد الحصبة و الأسبوع الخليجي للسكري    سعود بن طلال يطلق عددا من الكائنات الفطرية في متنزه الأحساء الوطني    «الإحصاء»: السمنة بين سكان المملكة 15 سنة فأكثر 23.1%    أمير الشرقية يطلق هوية مشروع برج المياه بالخبر    رينارد يتحدث عن مانشيني ونقاط ضعف المنتخب السعودي    قسطرة قلبية نادرة تنقذ طفلًا يمنيًا بمركز الأمير سلطان بالقصيم    مستشفيات دله تحصد جائزة تقديم خدمات الرعاية الصحية المتكاملة في السعودية 2024    «التعليم»: إلغاء ربط العلاوة بالرخصة المهنية    9300 مستفيد من صندوق النفقة خلال 2024    القبض على باكستاني لترويجه 6.6 كلجم من الشبو بمنطقة الرياض    الكتابة على الجدران.. ظاهرة سلبية يدعو المختصون للبحث عن أسبابها وعلاجها    مهرجان وادي السلف يختتم فعالياته بأكثر من 150 ألف زائر    الملتقى البحري السعودي الدولي الثالث ينطلق غدًا    قمة مجموعة العشرين تنطلق نحو تدشين تحالف عالمي لمكافحة الفقر والجوع    النسخة الصينية من موسوعة "سعوديبيديا" في بكين    سماء غائمة جزئيا تتخللها سحب رعدية بعدد من المناطق    "سلمان للإغاثة" يوزع 1.600 سلة غذائية في إقليم شاري باقرمي بجمهورية تشاد    صبي في ال 14 متهم بإحراق غابات نيوجيرسي    مع انطلاقة الفصل الثاني.. «التعليم» تشدّد على انضباط المدارس    إحباط 3 محاولات لتهريب 645 ألف حبة محظورة وكميات من «الشبو»    الإجازة ونهايتها بالنسبة للطلاب    أمير الرياض يفتتح اليوم منتدى الرياض الاقتصادي    محافظ جدة يستقبل قنصل كازاخستان    كل الحب    البوابة السحرية لتكنولوجيا المستقبل    استقبال 127 مشاركة من 41 دولة.. إغلاق التسجيل في ملتقى" الفيديو آرت" الدولي    كونان أوبراين.. يقدم حفل الأوسكار لأول مرة في 2025    الأخضر يكثف تحضيراته للقاء إندونيسيا في تصفيات المونديال    وزير الإعلام اختتم زيارته لبكين.. السعودية والصين.. شراكة راسخة وتعاون مثمر    يا ليتني لم أقل لها أفٍ أبداً    موافقة خادم الحرمين على استضافة 1000 معتمر من 66 دولة    وزير الحرس الوطني يستقبل وزير الدفاع البريطاني    المملكة ونصرة فلسطين ولبنان    عدوان الاحتلال يواصل حصد الأرواح الفلسطينية    حسابات ال «ثريد»    قلق في بريطانيا: إرهاق.. صداع.. وإسهال.. أعراض فايروس جديد    الخليج يتغلب على أهلي سداب العماني ويتصدّر مجموعته في "آسيوية اليد"    أوربارينا يجهز «سكري القصيم» «محلياً وقارياً»    مكالمة السيتي    «القمة غير العادية».. المسار الوضيء    المكتشفات الحديثة ما بين التصريح الإعلامي والبحث العلمي    الدرعية.. عاصمة الماضي ومدينة المستقبل !    لغز البيتكوين!    الله عليه أخضر عنيد    أعاصير تضرب المركب الألماني    شراكة إعلامية سعودية صينية واتفاقيات للتعاون الثنائي    وزير الدفاع يلتقي سفير جمهورية الصين الشعبية لدى المملكة    نائب أمير منطقة مكة يستقبل المندوب الدائم لجمهورية تركيا    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«يوجين أونيغن» لبوشكين: خطوة أولى على درب أدب روسيّ كبير
نشر في الحياة يوم 09 - 08 - 2012

هي الرواية التي يقول الباحث الروسي ف. إيفانوف في صددها: «مع هذا العمل الكبير بدأ ازدهار الرواية في روسيا. وهذا الازدهار كان واحداً من الاحداث الأكثر دلالة التي عرفتها الثقافة الأوروبية المعاصرة». أما المؤرخ كليوتشفسكي، فرأى ان «في إمكاننا ان نعتبر «يوجين أونيغن» «وثيقة تاريخية بفضل ما فيها من تصوير للبيئة الروسية»، فإذا أضفنا الى هذا ان دوستويفسكي كان لا يكفّ عن امتداح ما في هذه الرواية من «اخلاص لروح الشعب الروسي»، يمكننا أن نفهم، حقاً، المكانة التي تحتلها «يوجين أونيغن» في أدب روسيا. انها مكانة مؤسسة، طالما ان الرواية في روسيا كانت من قبل ذلك شيئاً آخر تماماً. ومن هنا حين لاحت للموسيقي الكبير تشايكوفسكي، وهو في قمة اهتمامه بأن يكتب أعمالاً موسيقية تعبّر عن روح الشعب الذي ينتمي إليه، لم يتردد لحظة في اختيار «يوجين أونيغن» ما أسفر عن واحدة من أجمل الأوبرات في تاريخ هذا الفن.
كان ألكسندر بوشكين، الذي سيعرف دائماً ب «شاعر روسيا الأعظم»، في الثانية والثلاثين من عمره حين كتب رواية «يوجين أونيغن». أو بالأحرى حين أنجز كتابتها ونشرها في طبعة أولى. فالحال أنه إنما بدأ كتابتها قبل ذلك بكثير: في عام 1822، وكان بعدُ في الثالثة والعشرين. وقد استغرقته كتابتها على الشكل الذي انتهت اليه كما في الطبعة الأولى، أكثر من عشر سنوات. أما الطبعة المكتملة لها فلم تصدر إلا في عام 1833، لتطبع بعدها وبسرعة أكثر من عشر طبعات ويتلقفها القراء متلهفين.
تمتلئ رواية «يوجين أونيغن» بالشخصيات، على عكس ما ستكون عليه الأوبرا المقتبسة عنها، إذ ان تشايكوفسكي اكتفى بشخصيات رئيسة حرّك من خلالها الفصول الثلاثة التي قسّم الأوبرا اليها. أما بالنسبة الى بوشكين، فإن النص الروائي، لكي يكون أشبه بفسيفساء تقدّم صورة للحياة الروسية في كل تجلياتها وطبقاتها وصراعاتها وحدّتها المزاجية، يتعين عليه ان يمتلئ بعشرات الشخصيات التي يعبّر كل منها عن نوازع معينة. ومع هذا نجد ان التركيز، في الرواية الاصلية كما كتبها بوشكين، ينحصر في أربع شخصيات مهمة، تتمحور الأحداث من حولها: «يوجين أونيغن» نفسه، ابن المجتمع الثري، العابث وغير العابئ بأية قيم حقيقية، ومن بعده يأتي الشاعر الرومنطيقي فلاديمير لينسكي، ثم الشقيقتان الحسناوان تاتيانا وأولغا لارين. وفي مجال الأهمية نفسها، هناك شخصية خامسة لها دور أساسي في الرواية لكنها مخبوءة في ثنايا العمل لا تظهر - عرضاً - إلا في حالات وأحداث معينة، وهذه الشخصية هي شخصية المؤلف نفسه. وهي شخصية لن نشعر بأي وجود لها في أوبرا تشايكوفسكي... وإن كان وجودها يضاهي وجود القارئ ذي العين البصاصة في الرواية. الشخصية الرئيسة بين هذه الشخصيات، وكما يدلنا عنوان الرواية، هي اذاً، شخصية «يوجين أونيغن»، ابن المجتمع اللاهي والثري، والذي يرث ثروة طائلة عن عمّ له تجبره على مبارحة العاصمة سانت بطرسبرغ والعيش في الريف. وهو أمر يؤلمه أول الأمر، فهو تربّى اصلاً على الطريقة الفرنسية وكوّن لنفسه في العاصمة عالماً من الأصدقاء والتابعين. فما الذي سيفعله في الريف؟ لكنه، وعلى طريقة مجبرٌ أخاك لا بطل، ينتقل فعلاً الى الأملاك التي ورثها في ذلك الريف، وهنا يلتقي بالشاعر الرومانسي المثالي لانتسكي، وفي معيّته يبدأ بارتياد دارة السيدة لارين التي لديها فتاتان حسناوان، هما الرومانسية المكتئبة دائماً تاتيانا، والمرحة ذات الحيوية أولغا. ونعرف بسرعة ان لاتسكي قد خطب لنفسه هذه الأخيرة. أما تاتيانا فسرعان ما تهيم حباً بيوجين وتعترف له بحبها عبر رسالة ساذجة ترسلها اليه. وهو ما ان يتلقى الرسالة حتى يرسل الى تاتيانا رداً مليئاً بالمواعظ الأخلاقية المتحدثة عن الأخطار التي تتعرض اليها الفتيات حين يتركن أنفسهن في مهبّ هواهنّ. ومن الواضح ان دافع يوجين الى هذا الموقف، ليس أخلاقه، بل كونه يفضل أولغا المرحة على تاتيانا الحالمة. وهذا ما نكتشفه خلال حفل راقص يقام، وخلاله يبدأ يوجين مغازلة أولغا، ما يثير غضب لاتسكي وغيرته، ويبدأ بين الاثنين تحدٍ ينتهي الى مبارزة يُقتل خلالها يوجين، الشاعر المثالي. ويتوقف الجزء الأول من الاحداث هنا، لتمر سنوات، ونلتقي من جديد مع يوجين في العاصمة سانت بطرسبرغ. ونجده يلتقي تاتيانا هناك. لكنها الآن صارت سيدة مجتمع كبيرة متزوجة من جنرال في الجيش، ولم تعد - ظاهرياً - تلك الفتاة المنطوية الخجول. وفور اللقاء يدرك يوجين هذا التحول لديها، فيولع بها، هو الذي كان في الماضي قد احتقرها بصفتها ريفية ساذجة. ويصارحها بحبه مرات عدة، لكنها تصدّه وقد أضحت المبادرة هذه المرة في يدها. وذات يوم يتمكن من الاستفراد بها في منزلها. وهنا يسقط القناع الجديد عن وجه تاتيانا ولا تتمالك نفسها: تصارحه بحبها له، وتقول له إنها أبداً ما توقفت عن حبه، لكن هذا الحب لن يودي بهما الى أي مكان، طالما ان ليس من أخلاقها ان تخون زوجها، الرجل الذي احتضنها والذي يضع فيها ثقته كلها.
منذ صدورها للمرة الأولى، فتنت هذه الرواية القراء والنقاد سواء بسواء. ومن بين المفتونين بها الناقد ببلنسكي، الذي غمر ظله الكبير الأدب الروسي كله في القرن التاسع عشر. وقد قال بيلنسكي عن رواية ألكسندر بوشكين هذه انها «رواية حقيقية من ناحية حبكتها، وقصيدة شاعرية من ناحية بنيتها والأجواء التي تصفها لنا»، مؤكداً ان هذا النص انما هو، في نهاية الأمر، مطبوع بذلك الدفق الشاعري الذي ارتبط به عمل بوشكين ككل. ومن بعد بيلنسكي رأى الباحثون ان رواية «يوجين أونيغن» فريدة من نوعها ليس في الأدب الروسي وحده. وهو ما كان متضمناً، حتى في كتابة بيلنسكي عن الرواية، اذ قال انها «النص الأكثر جمالاً وإلهاماً الذي كتبه بوشكين طوال حياته، والإبداع الأكثر كمالاً الذي أبدعته مخيلته». وهو العمل الذي عبرت فيه شخصيته عن نفسها بأفضل مما فعلت في أي نص آخر له». ذلك ان بيلنسكي، مثل الآخرين، اعتبر ان «يوجين أونيغن» لا يمكن ان يكون - على رغم مساوئه كلها - شخصاً آخر غير بوشكين نفسه... ما يعني أنها كانت واحدة من المرات الأولى التي يسم فيها كاتب نفسه - أو أناه الآخر - في رواية يكتبها بمثل هذه الصفات السلبية. ومع هذا قد يكون من المفيد ان نضيف هنا ان سلبية «يوجين أونيغن» ليست مطلقة، ذلك ان الاحداث تشكل في نهاية الأمر نوعاً من المطهر بالنسبة اليه. كما أن غرامه بتاتيانا، في المرة الثانية على الأقل، لا يمكنه إلا ان يكون غراماً حقيقياً، بل لعله يكون صورة الشيطان المعنوي الذي قد تحل عليه اللعنة، لكنه في نهاية الأمر، قدم نفسه فداء لكي يظهر بطولته البريئة وإنسانيته. وليس هذا التفسير، على أية حال، بعيداً عن تفسير سيقدمه الارجنتيني جورج لويس بورغيس لشخصية يوضاس ودوره في ولادة المسيحية، لكن هذه مسألة اخرى بالطبع.
عاش ألكسندر بوشكين (1788-1837) ثمانية وثلاثين عاماً، كانت من الأعوام الأكثر صخباً وغرابة في التاريخ الروسي، ذلك انها تحلقت من حول الحملة النابوليونية وأحداثها العاصفة... لكن تلك السنوات التي عاشها بوشكين، كانت، على قلتها، كافية لكي تصنع منه شاعر روسيا الأكبر ومؤسس أدبها الحديث، باعتراف الجميع. وهو ولد في موسكو، ليموت في سانت بطرسبورغ خلال مبارزة خاضها لأسباب نسائية. وهو ما كان يمكن توقعه له كنهاية منذ بداياته العابثة والمملوءة بالعواطف والأهواء. وقد خلّف بوشكين الكثير من الأعمال الشعرية والروائية والمسرحية التي لم تجعل منه كاتباً كبيراً فقط، بل بطلاً قومياً أيضاً. اذ تماماً كما كان يقال ان الرواية الروسية كلها قد خرجت من «معطف» غوغول، كذلك قيل دائماً ان الأدب الروسي الحديث كله قد خرج من تحت يراع بوشكين. ولئن كانت رواية «يوجين أونيغن» تعتبر الأشهر بين أعمال هذا المبدع، وربما في الأدب الروسي كافة، فإن هذا الشاعر خلق أعمالاً أخرى كبيرة منها: «رسلان ولودميلا» وأشعار ال «غابرلياد» وكتاب «الغجر» و «افريقي بطرس الأكبر» و «حكايات بلكين» و «بيت في كولومنا» و «ابنة الكابتين»... وغيرها من أعمال جعلت القيصر نيقولا الأول يقول عنه ذات يوم «إنه، بالنسبة اليه، «الرجل الأكثر ذكاء في روسيا».
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.