وأنت تغرد متأثرا بتوتراتك وأفكارك الخاصة مفرغا انفعالاتك في مساحة شاشتك ولوحة مفاتيحك؛ لست وحدك في أي ضغطة عليها فلا تنس أن ما تبث يقرأه الآخرون.. وهو بعد أن يقرأوه غير قابل للمحو! هل تساءلت يوما كيف يراك الناس عبر تغريداتك العابرة لأجوائهم؟ بلبلا أم غرابا؟ هل فاجأك يوما أن يرد مجهول ما لا تعرفه متمترس خلف قناع اسم مستعار يعلن لك وللآخرين أنه: يشك في نواياك؟ أو يكرهك؟ أوحتى يسبك ويشتمك؟ هل ترى صخبه صفاقة ويراه صراحة؟ ويراه الآخرون نصحا أو وقاحة؟ في عالم التغريد قانون الحوار الحضاري يسري على الجميع حتى لو بدا فضاء لا يحمل غير حرية مطلقة! هل تؤمن أنك إنسان طيب تشارك الآخرين تجربتك وحكمتك؟ وأنك إنسان نزيه لا تطلب من وراء ذلك غير نفع الآخرين؟ وصريح لا تعلن إلا الحقيقة؟ ثم هل يزعجك أو لا تهتم بأن الغير يرى طيبتك غباء، ونزاهتك جبنا أو تصنعا، وصراحتك وقاحة أو بلادة اجتماعية، أو خبثا مصاغا في همز ولمز إن لم يطل القذف والتشهير؟ هل تصنف نفسك عاقلا؟ داعيا إلى «المعروف»؟ ناهيا عن «المنكر»؟ أو محبا للمغامرات؟ أو شجاعا مبادرا؟ أو ذكيا قادرا على التواصل للتوصل إلى أهداف تعرفها لن يحدسها غيرك؟ هل تشعر بالغبن والظلم إذا اعتبر غيرك فعالك خبثا؟ أو تهورا؟ أو تطفلا؟ أو انتهازية؟ هل يوجعك أن تقع طيبتك ضحية منتهزي الفرص؟ هل قيمة الفعل فيه؟.. أم في رؤيتنا له؟ أو رؤية الآخرين؟ أم ما نوهم الآخرين أنهم يرون؟ أليس الإيهام شعوذة مكروهة؟ والإيهام للاستنفار أو التأجيج شبهة يعاقب عليها؟ *** ليست كل الطيور سواء! بعضها يحلق عاليا في الأجواء ويظل ثاقب الرؤية كالنسور. وبعضها كالدجاج لا يستطيع - وهو ذو أجنحة أن يطير! وبعضها يتقافز وينشر أجنحته مستعرضا نقوشها لإغواء وبعض النقوش بقع لا تعني شيئا لمتذوق سبحانه وتعالى رسخ التعددية حين خلق الطيور والبشر أجناسا وجعل أشكالها تتفاوت وأصواتها ونغماتها ومناسبات إسماعها متعددة الاختلاف والتفاصيل! بعضها يشقشق بنغمات مريحة ومبهجة كالبلابل وبعضها يهدل حنينا كاليمام.. وبعضها ينعق كالغراب .. وبعضها ينعب كالبوم على خراب.. وبعضها يتناقض صوته القبيح مع شكله الجميل كالطاووس في الغاب. *** لماذا يتسم بعض الناس برؤية تشاؤمية ترسم العالم من حولهم سوادا في سواد محتفظين بنرجسية لأنفسهم فقط بتصنيف البياض؟ ويعكس آخرون رؤية متفائلة تعطي للكون حولهم إضاءات تحتفل بتعدد الألوان، وتتوقع الفرح والابتهاج؟ من أين نستمد اللون الغالب في أفكارنا؟ ناصعا متفائلا أو كالح التشاؤم والإقصائية؟ هل ينبع التشاؤم والتفاؤل من تكويننا الذاتي؟ نولد وعندنا استعداد فطري للشك أو القلق أو الغيرة والنرجسية؛ ونفسّر كل ما نراه عبر عدسة مشوهة ثم نبث رؤيتنا للآخرين؟ أم نولد باستعداد ذاتي للبحث عن دفء فرح ننشره في محيطنا القريب، ونتسامق كطيور الحب إلى حيث تليق بنا الحياة؟ أم هو احتمال ثالث: «أننا نولد واستعدادنا صفحة بيضاء خالية من التوقعات ثم ترسم التجربة الشخصية في هذه الصفحة ما يعطي توقعاتنا لونا كئيبا أو مبتهجا؛ إيمانا قاتلا أو دافعا بأن قدرنا أن نزحف أو نحلق بأجنحة؟».