وسط مشاعر الحزن، والأسى، ودعت البلاد صاحب الابتسامة الصافية، والأيادي البيضاء صاحب السمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز رحمه الله، بعد أن سكن المرض جسده الطاهر، وسبقها خيوط القدر؛ لينسج الموت حكايته، التي أثبتها الله جلّ في علاه في كتابه العزيز: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} (57) سورة العنكبوت. قرأت في عيون الناس نظرات الذهول، حين غادرت الوجوه أمكنتها، ولم يعد في المكان إلا لغة الدموع، التي لا تكاد أن تتوقف؛ لأنني أعلم أن لحظات الفراق مؤلمة، بل هي كالسهم إذا ما أصاب أوجع. فلطالما خفنا الموت، وحلمنا بالخلود على هذه الأرض، وكأننا سنعيش عمراً بلا أيام، وأياماً بلا لحظات، ولحظات بلا تفاصيل، مع أن الله قدّر علينا الموت، وسيسوقنا إلى أسبابه، عندما ينقطع تعلق الروح بالبدن، ويفارقه، -حينئذ- ندرك حقيقة الموت، إذ هو محطة يترحل إليها المسافرون من قطار العمر، الواحد تلو الآخر. برحيلك أيها الإنسان الصافي، سيفقد الوطن ركناً أساسا من أركانه، وستتشكل لوحة كئيبة، تتكامل بمنظر حزين، عنوانه: «الرحيل»، الذي لم يتبق منه سوى ذكريات الزمان، وجمال المكان، ودفء الأحبة. وبمقدار التياعنا، وشوقنا، سنساير موكب الرحيل لزوايا لا يسكنها إلا الدعاء الصادق. في موكب الوداع، شهدنا موتك أبا خالد، عندما كنت على موعد مع القدر. وفي بساتين الروح، وبين قوافي الشعر، سننكس رؤوسنا إلى الأرض؛ لنتذكر حكمة الله في معادلة الموت، ف: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى}. وسنطلق النداء؛ ليستمر الحلم في عزف سيمفونية الحياة، فقد علمتنا أدوات الموت حب الحياة، كما علمتنا الحياة احترام الموت. فاللهم.. بقدر بسمته التي علت شفتيه، واتسعت لفرح الكون بأسره، اجعله من الفائزين بجنتك، ورضاك، يوم لا ينفع مال، ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم.