الأوطان لاترتفع إلا بهمة أبنائها ولا ترتقي إلا بسواعد شبابها، ولا تسمو إلا بعقول رجالها، ولا تعلو إلا بحكمة قادتها وعلمائها ولاتحترم إلا بالمحافظة على دينها ومبادئها وقبل ذلك توفيق الله عز وجل والمحافظة على ممتلكات الوطن وصيانتها والمحافظة على الأموال العامة وعلى حقوق الناس وعدم إهدارها من عوامل قوة المجتمع يضاف إلى ذلك التحابب بين أفراده والتكاتف ليكون المجتمع أسرة واحدة مصداقاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه البخاري ومسلم. ونحن ولله الحمد والمنة نعيش في بلد مبارك رزقنا الله سبحانه وتعالى بقادة مخلصين يحكمون الدين ويعملون على تلمس احتياجات أبنائهم ليس في تنفيذ المشروعات فقط بل وفي تقبل المقترحات والاستماع المباشر إلى حاجات الناس. وفي مستهل العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك لهذا العام أصدر صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض توجيهاً لفروع الإدارات الحكومية في منطقة الرياض بتحديد مواعيد ثابتة ومعلنة ومعروفة تخصص لمقابلة المراجعين واستقبال شكاواهم والعمل على حلها واتخاذ الإجراءات اللازمة بخصوصها. وجاء في سياق هذا التوجيه إشارة سموه إلى أن الدولة دأبت منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله على سياسة الباب المفتوح وسار عليها أبناؤه من بعده كمظهر من مظاهر الحكم في المملكة، وأضحت هذه المجالس المفتوحة صورة صادقة للعلاقة بين ولاة الأمر والمواطنين فيحرص عليها المسؤول ويحتاجها المواطن والمقيم وتعد مضماراً لاستقبال المقترحين والشاكين والتعرف على مشاكلهم والعمل على حلها وتلمس احتياجات الناس والنظر في أحوالهم. لقد جاء توجيه الأمير سلمان تأكيداً على نهج هذا البلد الكريم بعد الاعتزال والاحتجاب عن الناس والعمل على تلمس الاحتياجات والتعرف على حاجاتهم وتقبل شكاواهم ومسائلهم وما من مناسبة بهذا الشأن ولها علاقة ماسة بالمواطن إلا ونجد التأكيد قولاً وعملاً من ولاة الأمر حفظهم الله على هذا النهج ولا أدل على ذلك مما تعرضه نشرات الأخبار يومياً من استقبال خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز يومياً أو شبه يومياً لمئات من المواطنين والمراجعين ممن لهم قضايا ومطالب واحتياجات يلتمسون من ولي الأمر معالجتها. ومع الأفعال تسبق الأقوال فهناك أوامر سامية وصريحة ومراسيم تنص على ذلك ومنها الأمر السامي الكريم الذي صدر بتاريخ 2-10-1401ه، وجاء ضمن نصوصه (على الوزير ورئيس المصلحة الحكومية ووكلاء الوزارة أن يحددوا ساعة على الأقل في كل يوم لاستقبال المواطنين وذوي العلاقة والاستماع إلى شكاواهم المتعلقة بالوزارة أو المصلحة أو من خلال تلك الشكاوى يمكن التعرف على الإدارات والأقسام محل الشكوى وبالتالي يتم البحث عن أسباب الشكاوى والعمل على حل مايعترض تلك الإدارة من صعاب ). ولقد أكد سمو الأمير سلمان بن عبدالعزيز على أهمية الباب المفتوح ودورها في عملية الرقابة والتطوير واكتشاف أماكن القصور والخلل في الجهاز ومن ثم العمل على إصلاحها وحلها وهي وسيلة لإشاعة الشفافية وبناء المصداقية بين المسؤولين والمواطنين والمقيمين من المراجعين وتجلب للجهاز العديد من الأفكار والمقترحات المفيدة فضلاً عما تحدثه من انضباط وحرص على إنجاز الأعمال بكل دقة وأمانة وإخلاص من جميع المسؤولين والموظفين في جميع المستويات وذلك لعلمهم بأن أي مظلوم يستطيع أن يصل إلى أعلى سلطة في الجهاز ويأخذ حقه. إن هذا التوجيه الحكيم من الأمير سلمان بن عبدالعزيز وكما جاء في سياقه لايخص المواطن فقط بل حتى المقيم له حق إذا كان ذا حاجة في الجهاز الذي يريد المراجعة فيه لحقه كما أن هذا التوجيه أيضاً يأتي تكريساً لنهج الحكومة الرشيدة للحفاظ على مقدرات الوطن وتأكيداً على نهج ولاة الأمر في الإصلاح والتطوير وتحديد سموه بشهرين من تاريخ القرار كآخر مهلة للتنفيذ يعبر عن الجدية والرغبة الصادقة في تنفيذ القرار وهي تجسد لديمومة العلاقة المتميزة بين الشعب وقيادته وهي العلاقة القائمة على الألفة والمحبة وروح الأسرة الواحدة وتستهدف أيضاً العمل على تحقيق كل مامن شأنه راحة المواطن ورفاهيته. وهذا القرار سيكون بإذن الله علاجاً لتلافي بعض نواحي القصور في أداء الأجهزة التي لاتقوم بواجبها على أتم وجه ومن المعلوم أن هناك تبايناً واضحاً في أداء الأجهزة الحكومية من حيث نوع وكمية المنجز وهذا التوجيه سيجعل من بعض من أوكل إليهم الأمر ولم ينفذوه على الوجه الأتم سيكونون تحت طائلة المراقبة ومن ثم المحاسبة على التقصير فسلمان بن عبدالعزيز بهذا القرار لامس قضايا المواطن وهمومه وهي امتدادٌ لمبدأ الشفافية والنزاهة التي أعلنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله وقراراته الحكيمة التي تترجم الحس القيادي له وما يشغل المواطن وجدانه وأنه الركيزة والمحور الأساس في البناء والنخبة، والحرص على توفير سبل العيش الكريم وتؤكد عمق التلاحم بين ولاة الأمر ورعيتهم. وإنني أتمنى أن تحذو إمارات المناطق حذو إمارة منطقة الرياض بإنشاء إدارات خاصة تتولى متابعة أداء الفروع بالمنطقة ومدى تلمسها احتياجات المواطن وتخصيص مسؤول الفرع لأوقات استقبال المواطنين، كما أتمنى من المواطنين ألا يتأخر في الرفع بمظلمته لأمير المنطقة في حال تقصير الدائرة الحكومية عن أداء مهامها وعدم استقبال المراجعين مع التأكيد بضرب بيد من حديد على أصحاب الشكاوى الكيدية والنفوس المريضة الذين لايتورعون في أكل حقوق الناس والتذمر والشكاوى دون مصداقية.. والله من وراء القصد.