لوحظ في السنوات الأخيرة ازدياد الحوادث المرورية التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء وأهدرت معها الكثير من الأموال. حيث وصل معدل الوفيات الناتجة عن الحوادث المرورية في إحدى السنوات إلى أكثر من 19 حالة وفاة يومياً. وأشارت دراسات حديثة أن المملكة تخسر سنوياً 13.6 مليار ريال نتيجة للحوادث المرورية. عليه كان لا بد لجهات الاختصاص وضع حد لهذه المأساة المستمرة بإيجاد الحلول والاقتراحات ووضعها موضع التنفيذ للحد من النزيف البشري والمادي للحوادث المرورية، حيث قامت الإدارة العامة للمرور بتطبيق نظام ساهر ونظام ساهر هو نظام للضبط الإلكتروني الهدف من تطبيقه تحسين مستوى السلامة المرورية. ولكن وبعد تطبيق النظام ثار الكثير من الجدل حول الجدوى من تطبيقه وأصبح الشغل الشاغل لكثير من الناس، بل حتى أن العديد من المشايخ أدلوا بدلوهم في هذا الأمر وصاروا يفتون حول جواز مخالفات ساهر وهل هي ربوية أم لا؟ بل تعدى الأمر إلى أن بعض مشايخنا الكرام قد شرع في تحديد السرعة المفترضة في بعض الطرق. ويجهل هؤلاء أن تحديد السرعة القصوى على الطرقات عمل فني، وأن هذا الأمر ليس بالأمور الفقهية التي من الممكن أن يفتى فيها. ويدور هذا الجدل حول السرعات المحددة على طرقنا الداخلية والتي تنحصر في العادة ما بين 60 - 80 كلم في الساعة. بل إن أحد مشايخنا الكرام قد أفتى بل أكد في إحدى الفضائيات أن هذه السرعات (70 و 80 كلم) غير كافية. ياللعجب! هل يريد شيخنا أكثر من 80 كلم في الساعة في شوارع مثل شارع الأمير تركي أو التحلية أو العليا بالرياض، وإني أتعجب من هذا الجزم في أمور فنية من اختصاص أشخاص آخرين، ولو قام مهندس طرق مثلاً وأفتى في مسألة فقهية ليست من اختصاصه فإنه بالتأكيد سوف لن يسلم من النقد والهجوم من قبل مشايخنا الكرام، أليس كذلك؟ وبمقارنة هذه السرعات وما هو مطبق في كثير من البلدان نجد أن السرعة القصوى في هذه الدول لا تزيد عن 65 ميلاً (104) كلم في الساعة على طرق المرور السريعة. وتتفاوت في الطرق الداخلية من 20 ميلاً (32) كلم إلى 35 ميلاً (56) كلم في الساعة، وهي سرعات أقل بكثير مما هو محدد في طرقنا. هذا إذا أخذنا في الاعتبار الوعي المروري العالي للسائقين ومدى تقيدهم بأنظمة المرور مقارنة بما هو موجود هنا من قيادة أشبه بالفوضى. ولعل القصد من تحديد هذه السرعات هو الحد من السرعة الزائدة والسير بسرعة معقولة تمكن سائق المركبة من التحكم فيها في حال حدوث أي طارىء وبالتالي تفادي كارثة محققة يمكن أن تؤدي بحياة أبرياء أو حتى حدوث تلف للمركبة والمركبات الأخرى ومن ثم دفع مبالغ طائلة لعملية الإصلاح تساوي أضعاف القسيمة أو المخالفة المرتكبة. وقد أعجبني رأي أحد المشايخ في إحدى القنوات الفضائية عندما سئل عن رأيه في ساهر، فجاء رده (إننا لو وضعنا كفة الحوادث والوفيات في جانب والمال الذي يدفع مقابل المخالفات المرتكبة في الجانب الآخر فإنه من الأفضل دفع تلك الأموال لا أن يتم إزهاق أنفس بريئة). وهناك موضوع آخر ثار حوله الكثير من اللغط ألا وهو الرسوم التي يتم تطبيقها عند ارتكاب المخالفة المرورية، حيث يرى البعض أن هذه الرسوم عالية ولا تتناسب مع المخالفات المرتكبة. ولعل هذا القول ينبع عن جهل ونظرة مادية بحتة للأمور دون النظر للعواقب الوخيمة التي تنتج عن تجاوز السرعة المسموح بها أو تجاوز الإشارة الحمراء الذي ينتج عنه إزهاق أرواح بريئة أو إحداث تلفيات كبيرة بالممتلكات أو المركبات. نجد أن كثيراً من الدول تحرص على فرض غرامات مالية كبيرة على كل من تجاوز القوانين التي تنظم حركة السير، ولي تجربة شخصية حدثت قبل أسابيع مع أحد الأصدقاء كنا حينها في أمريكا وأوقف سيارته لمدة لا تتجاوز عشر دقائق في مكان غير مسموح الوقوف فيه، وأعطي على الفور مخالفة قدرها (54) دولاراً. كذلك ما فعله رئيس بلدية ليتوانيا عندما أحضر حاملة جنود ودهس سيارة مرسيدس كانت تقف في موقف خطأ. وهذه الغرامات يتم فرضها فقط على الأشخاص الذين خالفوا قواعد السير المتبعة فلو أن قائد المركبة التزم بالقانون فلن يجرؤ أحد على سؤاله أو فرض أي غرامة مالية عليه. لذا أقول لهؤلاء طبق نظام المرور ولا تخف ولن تدفع قرشاً واحداً من جيبك. وهنالك سؤال قد يتبادر إلى الذهن فيما إذا قامت الجهات المختصة مثلاً باستبدال العقوبات المالية بعقوبة الجلد وذلك في أن يتم جلد الشخص المخالف (60 جلدة) بدلاً من دفع غرامة مالية، فهل من الممكن أن يكون ذلك البديل المناسب لهذه الغرامات؟ ولو حصل صدر قراراً بإلغاء نظام ساهر أو تجميد العمل به ما هي النتائج التي سوف تترتب على ذلك؟ من الممكن أن نرى الفوضى تعم شوارعنا وبالتالي زيادة نسبة الحوادث بشكل أكثر مما مضى. بل سوف يتعمد الكثير زيادة المخالفات نكاية في نظام ساهر السابق مثلاً. ومما سبق ذكره فإنني أرى أن هذا النظام قد حقق الكثير من النجاحات وذلك من خلال التقارير الصادرة من الجهات الرسمية حيث قلت نسبة الوفيات الناجمة عن حوادث السير خلال عام كامل بنسبة 31.4 بالمائة أليس هذا السبب كاف لعدم التجني على ساهر؟ ووفقاً لمرور منطقة الرياض فإن (ساهر) ساعد باكتشاف العديد من القضايا الأمنية المتعلقة بسرقة السيارات والتزوير والمضاربة والصدم وإشهار السلاح والقتل والهروب. حيث استطاع خلال مرحلته الأولى الممتدة من أبريل - نيسان 2010م حتى أبريل 2011م من خفض الإصابات الناجمة عن حوادث السير بنسبة 15.8 بالمائة، وخفض عدد الوفيات بنسبة 31.4 بالمائة مقارنة بالعام الذي سبق تطبيق النظام. وفي نفس السياق، قلل نظام (ساهر) المروري نسبة مخالفة قطع الإشارة، وبلغت في شهر ربيع الثاني من هذا العام 2797 مخالفة، بينما كانت في شهر محرم قد بلغت 4845 مخالفة. وأسهم النظام في انخفاض متوسط سرعة المركبات داخل المدينة، في المواقع ذات حدود سرعة 90 كم - س أو أقل، بنسبة تصل إلى 33 بالمائة منذ بدء البرنامج، إضافة لانخفاض نسبة المركبات المخالفة من 32.2 بالمائة إلى 2.3 بالمائة. لذا وعلى ضوء هذه التقارير الإيجابية الموثقة والصادرة من الجهات الرسمية أرى أن يستمر هذا النظام بل التوسع في تعميمه على كل طرق ومدن المملكة، مع العمل في نفس الوقت على تلافي الجوانب السلبية (القليلة) من ذوي الاختصاص حتى ننعم بطرق آمنة وحوادث قليلة.