مع الايمان التام بحق الإنسان المطلق بالخصوصية وبالمحافظة على أسراره إلا أن الأبواب المغلقة التي يوصدها البعض عند دخوله غرفته الخاصة دائماً ما تثير أكثر من علامة استفهام. فلماذا يلجأ المراهقون والمراهقات وبعض المتزوجين والمتزوجات إلى إغلاق الأبواب؟ وهل ساهمت وسائل التواصل الحديثة من الانترنت والفضائيات بهذا الانغلاق والانفتاح على حد سواء؟ هل هذه الأبواب المغلقة هي حالة صحية أم أنه يتوجب على الأسرة البحث عن ما وراء الأكمة؟ هل تغري هذه الأبواب المغلقة المراهقين والمراهقات في ظل وجود الانترنت ومميزاته المختلفة بالخروج عن المألوف وتجاوز حدود اللياقة والأخلاق؟ البعض يفضل وضع أجهزة الحاسب في أماكن مكشوفة من المنزل والبعض يذهب بعيداً لغرس الثقة والتربية الذاتية بترك الحرية للأبناء بغرف مغلقة إن شاءوا. وأخيراً: هل من حق الأب أو الأم أو الزوج والزوجة تفتيش الغرف المغلقة أو أجهزة الحاسب والمحمول وخلافه مما يثير الشكوك؟ حول هذا الموضوع تحدث في البداية: الإعلامي مطيران النمس فقال: الفضائيات والانترنت هو من أفرز ظاهرة اللجوء إلى إغلاق الأبواب وخاصة المسلسلات والأفلام هي من فعلت هذه ثقافة. ويؤكد النمس قائلاً: يحق للأب تفتيش الغرف في حال عدم وجود الأبناء وإعادة ترتيب الغرفة، كما كانت لتقليل معدل الشك لدى الأبناء أثناء عودتهم لغرف نومهم. ويطالب برفع مستوى ثقافة الاحترام والتقدير والثقة بين الزوج والزوجة وإلا أنهدم عش الزوجية وعدم اللجوء إلى مثل هذه الاحترازات إلا في ظل وجود مؤشرات تدل على سلوكيات سيئة - لا سمح الله. وعن أثر هذا الانغلاق على المجتمع، انحرافات سلوكية، زيادة معدل الجريمة، العزلة الاجتماعية، الأمراض النفسية، عدم التناغم والتجانس بين الفرد والمجتمع، وبالتالي كل ما سبق يفضي إلى مجتمع متفكك أسريا واجتماعيا ذي بنية وقاعدة هشة يخترق بأسهل الطرق وأبسطها. ظاهرة صحية بشرط من جانبه قال عبدالله هديس الأبواب المغلقة ظاهرة صحية وهذه وجهة نظر كون كل شخص يصل في مرحلة من مراحل حياته إلى استقلالية معينة يحتاج أن تكون له خصوصية بعيدا عن أعين الناس ووسائل الاتصال الحديثة، لا نستطيع أن ننكر تأثيرها المباشر في مختلف أوجه الحياة والعلاقات الاجتماعية، ولكن يجب توخي الحذر ومقدار الثقة المعطاة لهذا الشخص كي لا يسيء استخدامها خصوصا مع الأبناء والمراهقين تحديداً. ويرى هديس أن الرقابة الذاتية هي الأهم ويضيف: أجهزة الحواسيب أصبحت شيئا من المسلمات في هذه الأيام ولا نستطيع الحد منها كون الهواتف النقالة أصبحت بحد ذاتها حواسيب شخصية قبل أن تكون هواتف نقالة، لذلك أنا أميل لشق الحرية مع المراقبة الايجابية و إشراك النفس معهم ومعرفة ميولهم وتطلعاتهم ومناقشتهم فيما يقومون به، لذلك كون وجود جهاز حاسب آلي في غرفة مكشوفة وجهاز نقال في أيديهم لا أتصور أن مكان الجهاز سوف يمنع أي شخص من ممارسة ما يقوم به. ولنسلم أنه في ظل غياب الرقابة كل شيء ممكن أن يحصل. ومن الممكن أن أي فرد من أفراد الأسرة في لحظة معينه و في ظل غياب الرقابة أن يجند لخدمة أهداف وأجندة فتاكة فهناك الكثير من المواقع الإباحية والجنسية التي ترغب في الحصول على زوار جدد وتتفنن في أساليب الاستقطاب، وكذالك هناك المتربصون بشبابنا لجرهم لحلقات الصراعات دينية المتطرفة والمشبوهة، وكذلك الصراعات الثقافية الضحلة والتي أفرزت الكثير منهم في الفترة السابقة ويكاد يكون القاسم المشترك فيما بينها غياب الرقابة وغياب الوازع الديني وغياب المواطنة والانتماء للوطن. العالم خلف أبوابي المغلقة إحدى الفتيات - أم خلود - تتحدث عن تجربتها قائلة: مهما كانت ثقة الأم بابنتها يجب أن يكون هناك خيط رفيع من المراقبة، لأن الفتاة المراهقة قد يغرر بها وقد تقع ضحية ابتزاز لجهلها بأسرار هذا الجهاز الخطير الذي يربطها بالعالم الخارجي، وتضيف: أثناء المراهقة وسن الطيش انجرفت وراء هذا العالم، وكانت أخلاقي سلعة أعرضها للعالم الافتراضي خلف أبوابي المغلقة بعد أن وقعت ضحية ابتزاز شاب اقتحم جهازي وسرق صوري وملفاتي وأخذ يطالبني بالعرض الخاص له بكاميرتي الخاصة بعد أن علمني فنون الحاسب، وتطور الأمر إلى أن طالب بالمزيد فخطوات الشيطان لا تنتهي، ولم أنجو من عار فعلتي إلا بعد الاتجاه لمركز هيئة الأمر بالمعروف الذي أرشدني بعد الله إلى طريق الهداية. وتختم أم خلود الحديث عن تجربتها بقولها: كل بنت وشاب لهما الحق في الخصوصية بشرط أن يكونا جديرين بذلك، وهذا ما يقرره الأبوان عادةً فهم أعرف بأبنائهم. ابتزاز فهد محمد (من الشباب الهكرز) يتحدث عن وسائل عديدة يجهلها كثير من مستخدمي الانترنت يخترق الهكرز بموجبها أجهزتهم، ويقول: أنا شخصياً في فترة مضت كنت أخترق أجهزة مستخدمي الحاسب، ونقوم بالابتزاز للشباب والفتيات إذا ما وجدنا صوراً أو مقاطع فيديو، وكثير من الشباب والشابات يظن في فترة من الفترات أن مسح المحفوظات كفيل بإخفاء أثره وهذا غير صحيح لذلك وقعت مقاطع وصور كانت السبب في انجراف أصحابها ووقوعه ضحية للابتزاز. وأنا شخصياً سأمنح الحرية لأولادي وبناتي ولكن لا بد من معرفة اهتماماتهم ولا بد من نصيحتهم حتى لا يكونوا عرضة للذئاب البشرية. تفكك أسري حول هذا الموضوع التقت (الجزيرة) التقت - بشيت حمد المطرفي (ماجستير - مستشار الحوار الأسري بمركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ومستشار أسري معتمد من جامعة الملك فيصل بالأحساء): حيث قال: الأبواب المغلقة واقع في بعض الأسر، وأعتقد أن إغلاق باب الغرفة يتعلق بعدة عوامل منها: مستوى الروابط بين أفراد الأسرة، حجم الأسرة، وجود القائد في الأسرة، وكذلك توفر وسائل الإعلام والتقنية من قنوات فضائية وانترنت وأجهزة أخرى مثل البلاك بيري، إضافة إلى عوامل أخرى. فعندما تضعف الروابط الأسرية تجد كل فرد منها منصرفا إلى شئونه منشغلا بهمومه، وفي وجود حجم اكبر في الأسرة مع تعدد في غرف المنزل مترافق مع غياب نسبي لقائد الأسرة وهذا ما هو واقع في حال الأسرة السعودية فحينئذ تتعدد الاهتمامات وتتباين الميول ويكون انعزال أفراد الأسرة متاحا. وأخطر ما يكون في إغلاق الأبواب عندما يرتبط بسلوكات منحرفة يمارسها المراهق أو الأب أو الأم خلف الأبواب الموصدة من تصفح ومشاهدة لمواقع إباحية أو محادثات محرمة عبر النت أو أجهزة الهواتف لحديثة. وأضاف: لقد أسهمت وسائل الاتصال الحديثة في هذا الانفتاح على الثقافات المختلفة ورغم الكثير من الجوانب الإيجابية لوسائل الاتصال الحديثة فإن ثمة ممارسات مشينة نتجت عن انتشارها حيث اختلط السيئ بالحسن مما تبثه مما اثر كثيرا على قيم المجتمعات المحافظة التي أصيب بعض الناشئة فيها بصدمة الانفتاح المفاجئ والمتسارع على الحضارة الغربية دون الاستعداد الكافي لاستيعاب الإيجابي فيها وإدراك مساوئها. وفي ظل التربية المحافظة التي عاشها شبابنا فلم يجد بعضهم بدا من ممارسة تصفح ومشاهدة وسائل الإعلام في خفية عن أعين باقي أفراد الأسرة. وهنا مكمن الخطر. أما وجود الأبواب المغلقة فأمر نسبي يعتمد على ثقافة الأسرة ومهام أفرادها، ولكن الإغلاق الكامل والمفاجئ والمرتبط بمرحلة عمرية معينة أو بفترة محددة يعني أن هناك تغيرا جدير بالملاحظة. واضاف المطرفي: القضية قضية ثقة بين أفراد الأسرة فربما هناك طالب مراهق يفضل المذاكرة في غرفة مغلقة بعيدا عن أطفال الأسرة أو تشويش أفرادها عليه، ولكن الأمر يكون مختلفا عندما يستمر هذا الإغلاق حيث لا يلبث المراهق أن يدخل منزل الأسرة ثم يغلق الباب على نفسه بحجة النوم أو بحجة المذاكرة ثم يتخذ من هذا الجو المغلق سبيلا ميسرا لينصرف إلى ممارسات تتجاوز الأخلاق وتتصادم مع قيم المجتمع المحافظ. أما كيف تتعامل الأسرة مع أبنائها إذا لاحظت مثل هذه السلوكيات قال المطرفي: الوقاية خير من العلاج فقائد الأسرة سواء الأب وربما الأم في بعض الأحوال وربما كبير الإخوة في ظرف آخر يقع عليه دور كبير قبل أن تقع الفأس في الرأس فالتوعية المستمرة المبنية على الثقة المتبادلة بين أفراد الأسرة ضرورية، وفي حال لاحظ قائد الأسرة أمرا غير أخلاقي في سلوكات أحد أفراد أسرته فينبغي عليه التثبت أولا و عدم التسرع في الاتهام والشروع في حوار إيجابي والوصول إلى الأسباب التي يمكن أن تكون أسرية في الأصل، ثم البحث عن حل ينطلق من قناعة ذلك الفرد صاحب السلوك المشين وهذا ما يضمن الإقلاع عن ذلك السلوك بإذن الله. وحالما يكتشف قائد الأسرة سلوكا غير لائق صادر من أحد أفراد الأسرة فينبغي له المبادرة بالتفكير في المشكلة التركيز على الحوار مع صاحب السلوك غير اللائق والتركيز على الحل دون الانغماس في أتون المشكلة والتأكيد على سريان الثقة بين أفراد الأسرة، ووضع الحلول موضع التطبيق، والاستمرار في تحفيز صاحب ذلك السلوك بين الحين والآخر لضمان عدم حدوث الانتكاسة. إحسان الظن مقدم على الشك أما تفتيش المقتنيات الشخصية لأي من أفراد الأسرة فلا أرى أنه حل أمثل في حالة الشك، فإحسان الظن مقدم على افتراض الشك كمدخل للحل، وأعتقد أن قائد الأسرة الناجح هو من يستطيع أن يقرأ تصرفات أفراد أسرته جيدا ويعمل على الحيلولة دون انحرافهم، والمواجهة الودية خير بديل عن التفتيش في الخفاء الذي يمكن أن يهدد العلاقة الإيجابية بين أفراد الأسرة ويقود إلى التمرد، بل والمجاهرة بالسوء. أما النتائج فتشمل الفوضى الأخلاقية بمجملها فهي ما سينتج عنه الحال عند إغلاق الأبواب وغياب القيادة الأسرية الفاعلة والرقابة الإيجابية الواعية، حيث من الممكن أن يقود الاستخدام غير الرشيد لوسائل النت والفضائيات سواء داخل الغرف أو خارجها إلى عواقب وخيمة على مستوى الفرد والأسرة، بل والوطن فعبر هذه الممارسات غيرالمسئولة يولد الانحراف السلوكي والأمراض النفسية والتفكك الأسري والإرهاب الفكري. كذلك تعطيل لطاقات الشباب الذين هم مناط التنمية والتطوير وعماد الأمة، ويقود ذلك إلى سوء الإنتاجية بسبب السهر والأمراض النفسية والتفكك الأسري، كما أن تغذية التطرف تتم عادة من خلال الاستخدام غير الرشيد للنت والفضائيات مما يهدد أمن الوطن.