تتوافد قوافل الحجيج قادمة من كل حدب وصوب إلى بيت الله الحرام في مكةالمكرمة، وقد تركوا مشاغل الدنيا من مال وولد، ومن أجل التفرغ لأداء فريضة من فرائض الله، وشعيرة ذات شأن في مفهومها، وأجرها المدخر، لمن أعانه الله على حسن الأداء، والنية الخالصة في القلب.. والنفقة الحلال لها. فقد افترض الله على عباده، حج بيته المحرم، الذي جعله الله في أقدس بقعة على وجه الأرض، وحث على هذه الشعيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، بحديث جاء في الصحيحين، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الأعمال: إيمان بالله ورسوله، ثم جهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور». فالحج لكي يكون مبروراً، لابد من التقيد بما يزكيه، والبعد عما يخدشه.. وأول ذلك صفاء العقيدة، وأن يكون الفرد قاصداً بعمله وجه الله جل وعلا، فلا رياء ولا سمعة، ولا اشراك مخلوق في عمل هو للخالق لأن الله يقول: «إن الله لا يغفر أن يشرك به» )النساء 48(، فهو سبحانه أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً، أشرك مع الله فيه غيره، تركه سبحانه وشركه. وأن يكون مكسبه حلالاً، وغذاؤه حلالاً، ونفقته حلالاً، لأن الله طيب لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً، كما جاء في حديث الأشعث الأغبر، الذي يمد يديه إلى السماء داعياً ومتضرعاً، ومطعمه حرام وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب له. كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. والحاج لكي يحرص على تزكية حجه، ونقاوة عمله، فإن عليه أن يهيئ نفسه لهذه العبادة: بالإخلاص أولاً، والمحافظة على شعائر الله، من صلاة وطهارة، وصوم لشهر رمضان، كما أمر الله، وزكاة لمن عنده مال يستوجب الزكاة، وأن تكون نفقة الحج من مكسب حلال، وأن يبتعد عن إيذاء الحجاج، وافساد حجه: كلاماً أو اعتداء، وأن يبتعد عن الغيبة والنميمة والحسد الذي يحلق الحسنات، كما تأكل النار الحطب. يقول الله سبحانه: «الحج أشهر معلومات، فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج، وما تفعلوا من خير يعلمه الله، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، واتقون يا أولي الألباب». )البقرة 197(. وفي تفسير هذه الآية يقول عبدالله بن عمر رضي الله عنهما: «الرفث الجماع، والفسوق المعاصي، والجدال السباب والمنازعة»، ولكي يكون الحج مبروراً، لابد من أخذ الأمور التي حذر منها الله سبحانه، كما في الآية الكريمة، ونهي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله الكريم: «من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه».. وهذا تأكيد من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لدلالة الآية وما تحمل من معان يجب على الحاج أن يضعها بين عينيه، وهو يؤدي هذه العبادة التي هي مرة واحدة في العمر، لمن استطاع السبيل، لأن الحج أفضل الأعمال، فهو سفر عبادة، يتخلى المسافر عن مشاغله الدنيوية، ويفارق الأهل والوطن، والمال والأحباب استجابة لأمر الله، الذي أوجب عليه هذا الركن، فهو سفر لله، أتى إلى الديار المقدسة، بلباس يستوي فيه الغني والفقير، والشريف والطريف، والسيد والمسود، لباس تواضع تجرّد فيه الحاج عن الدنيا وزخارفها، وحسر رأسه علامة التضرع والإنابة، يذكره هذا الموقف باجتماع الناس يوم القيامة في الفصل بينهم، وتوزيع العدل بحسب الأعمال، ولا يظلم ربك أحداً، كما يذكر هذا اللباس، بما يأخذه من الدنيا، عند فراقها بالموت، حيث ترك ما وراءه من الدنيا، ولم يبق له إلا العمل الصالح. فكذلك الحاج، عندما جاء مسافراً، فإنه جاء يطلب ربحاً في سفره، ولكنه يختلف عن أرباح المكاسب التجارية وأرقامها المادية.. إنه يريد ثواب الله ومغفرته، يريد القبول وأن يرجع من حجه كيوم ولدته أمه، نقياً من الذنوب.. وما ذلك إلا أن الحج هو من أفضل الأعمال.. فقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أفضل الأعمال: ايمان بالله، ورسوله، ثم جهاد في سبيل الله، ثم حج مبرور». فقد وقر الإيمان في قلبه، لأنه يحس بحلاوته المختلفة عن حلاوة المأكولات، ويتلذذ بطعم ليس له نظير في المطعومات، فاللسان يستحلي ذكر الله، والجوارح تسرع إلى طاعة الله، والحواس تتسابق إلى كل عمل يحبه الله، والبصر يغض عن محارم الله، والسمع ينقفل عن سماع ما لا يرضى عنه الله: من لهو وفحش، وجدال وبهتان، وغيبة ونميمة. فإذا تسارعت هذه الأمور في أحاسيس الحاج ووجدانه، استقر الإيمان في قلبه، كما يدخل الماء في أغصان الشجرة، وتلذذ بما يقوي هذا الإيمان، كما يتلذذ العطشان بالماء البارد، وفي اليوم الشديد حره. يشعر بذلك من وفقه الله من حجاج بيت الله، وهو يتنقل من موقف إلى موقف، ويهيئ نفسه في عمله من مرحلة إلى مرحلة بدءاً بجمع النفقة، ثم نية الحج، وتهيئة نفقة الأهل والولد، الذين سيغادرهم حتى لا يحتاجوا إلى سؤال الناس وتكففهم، ثم يحس بما أمامه من مواقف، عندما يمتطي راحلته التي هيأها الله له، في كل زمن بحسبه، جواً أو بحراً أو أرضاً، فإذا وصل إلى الميقات الذي حدده رسول الله صلى الله عليه وسلم لكل بلد حيث وقَّتَ لأهل المدينة ذا الحليفة، وهو ما يسمى اليوم آبار علي التي امتد إليها بنيان المدينة، ووقت لأهل الشام الحجفة، وهي قريبة من رابغ، المدينة المعروفةاليوم، وارتبطت اليوم برابغ، ووقت لأهل اليمن يلملم، ووقت لأهل نجد قرن المنازل، وهو ما يسمي اليوم بالسيل الكبير، حيث أصبح مدينة متكاملة، ووقت عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع الصحابة قياساً لأهل العراق ذات عرق.. وقال صلى الله عليه وسلم: «هنّ لهن ولمن أتى عليهن غير أهلهن، ممن أراد الحج أو العمرة».حتى المسافرون بالطائرات أو بالبواخر، فإن عليهم إذا حاذوا واحداً من هذه المواقيت أو ما يساقها، وهم في طريقهم إلى مكة، فإن عليهم أن يحرموا منه، وليس القصد بالإحرام اللبس، فإن الحاج له أن يلبس ملابس الإحرام، من مسافات بعيدة، وانما المراد بالإحرام أن يلبس ملابس الإحرام من لم يلبسها، ثم يلبي بالنية واللفظ: لبيك اللهم لبيك: لبيك عمرة أولبيك حجاً، أو لبيك عمرة متمتعاً بها إلى الحج أو لبيك حجاً وعمرة.. يلبي بما كان قاصداً إليه.. وللمحرم: رجلاً كان أو امرأة، فإذا خاف من عارض يأتيه أن يشترط بعد التلبية بقوله: وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني.. فقد جاءت إحدى الصحابيات وهي شاكية فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لها: حجي واشترطي. ولكي يظفر الحاج بالمكسب الذي جاء من أجله، وبالأجر الجزيل الذي ادخره الله لمن أخلص حجه لله، وتقيد بشرع الله في جميع مواقفه، حتى يغتاظ منه عدو الله الشيطان، في يوم عرفة، حينما يباهي الله بعباده الحجاج ملائكته، بقوله الكريم: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً، يرجون رحمتي، ويخافون عذابي.. أشهدكم أنني قد غفرت لهم. في ذلك اليوم تتنزل رحمات الله على عباده، فيغتاظ عدو الله، ويحثو على رأسه التراب كمداً مما رأى، فلقد أمر هؤلاء واستجابوا، وجاؤوا مسرعين لتلبية أمر الله، خائفين خاضعين.. ويخبر عن ذلك الموقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «فما رئي الشيطان أذلّ ولا أخزى من ذلك اليوم».. إن شعيرة الحج وما فيها من تهذيب للنفوس، ودعوة إلى تزكية النفس والمال، وتطهيرهما من الأرجاس، لمما يجعل كل واحد من المسلمين يتأمل في نفسه وأعمالها.. حيث تأتي المناسبات التعبدية التي تتكرر، مع مرور أيام السنة، لتكون كل مناسبة درساً عملياً في مجاهدة هذه النفس، وكبح جماحها عن المعاصي والذنوب، واستحضار التوبة في كل خطأ أوزلل لأن الله سبحانه، يحب التوابين، ويحب من عباده اللجوء إليه، مستغفرين متذللين خائفين.. يقول سبحانه: «قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً» )الزمر 53(. وإن من أشد الذنوب والمعاصي، الإصرار عليها، والاستخفاف بها، سواء في الحج أو في غيره، إذ يجب أن يكون الحج فرصة لرسم منهج للنفس البشرية في عملها، تبتعد فيه عن المداخل إلى الذنوب، لكي يستمر المرء في منهج جديد، بعد أن طهرت أعماله، وغفر الله ما تقدم من ذنبه.. فيما بينه وبين خالقه.. أما التوبة فيما بين الإنسان وبين حقوق الآخرين، من عرض أو مال أو دم، فإن عليه أن يتحلله منه، ويعطيه ما أخذه منه سراً أو جهراً، ويستبيحه مما حصل منه نحوه، لما جاء في أخبار مشاهد القيامة، عندما يفصل الله بين العباد: أن من نال من أخيه شيئاً، فإنه يقتاد له منه، حيث لا مال ولا عرض، وإنما هي الحسنات والسيئات، فيؤخذ من الحسنات، لتعطى لصاحب الحق، فإذا انتهت أخذت من ذنوب المستحقين الوفاء، وطرحت عليه، ثم يلقى في النار.. وذلك لمضاعفة السيئات وخسارته في توزيع ما لديه من حصيلة الحسنات لمن ظلمهم أو اعتدى عليهم في الدنيا. أكبر من أي خسارة تخطر بالبال. ولذا فإن من المعاصي، التي يجب الحذر منها، في الحج وبعده، لتكون درساً استفاده الحاج من هذه الفريضة العظيمة، وشكراً لله الذي هيأها له، وأعانه عليها: نفقة طيبة، وإخلاص نية، وعملاً مبروراً.. أشياء يجب الحذر منها، وتساهل فيها كثير من المسلمين، بتزيين من الشيطان، الذي يهمه أن يفسد على المسلم عمله، وأن يباعده عن رحمة الله، ولابد من إغاظة عدو الله، ومجاهدة النفس بأعمال ترضي الله.. بالابتعاد عن الأمور التي تساهلوا فيها مثل: - عدم أداء العبادات على وجهها المشروع، إما عن جهل، والجاهل لا يعذر في أمور دينه، بل عليه أن يسأل أهل الذكر وهم العلماء المعتبرون عما يجهل من أمور دينه، لأن الله قد أمر بسؤالهم. وإما لتعلقهم بمن يفتي لهم، وهو لا يحسن، والواجب على من لا يحسن أن يقول إذا سئل: لا أدري حتى لا يتحمل مسؤولية اضلال الناس، وصرفهم عن الحق إلى الضلال، فيحمل وزراً فوق وزره. ولذا، فإن أهم الأمور على المسلم: أن يراعي أمور عباداته كلها، لأن عبادة الله هي مهمته في الحياة، وهي الحكمة التي خلق من أجلها يقول سبحانه: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمونِ، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين» )الذاريات الآيات 56 - 58(. فيحافظ على الصلوات الخمس في أوقاتها، ويخشع فيها بقدر ما يستطيع، ويهتم بالطهارة لها، وحسن الوضوء، والبعد عن النجاسات، لأن الصلاة لا تقبل بدون طهارة في الثوب والبدن والبقعة، والله سبحانه طيب لا يقبل من الأعمال إلا ما كان طيباً. - وأن ينقي ماله بإخراج زكاته كاملة، للثمانية الذين حددهم الله، المستحقين لها المذكورين في سورة التوبة، أما إذا كان لا مال عنده يستحق الزكاة، فإنه لا يطالب بشيء لا يملكه. - كما يجب على الإنسان الصدق في القول، والإخلاص في العمل، فيجب أن تكون النفقة، والصدقة والزكاة، ونفقة الحج من مكسب حلال، وأن يؤدى ذلك من قلب طيب صادق في النية.يقول صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى». والقلب المخلص، لا يتعمد صاحبه الكذب، لأن الكذب من علامات النفاق، والمنافقون يخادعون الله وهو خادعهم، ويراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا، فهم في الدرك الأسفل من النار، ولا ناصر لهم من غضب الله وعقابه. - وحفظ اللسان من الخوض في أعراض الآخرين، يقول صلى الله عليه وسلم: «ألا وان في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسدالجسد كله، ألا وهي القلب» ويقول لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: «كفّ عليك هذا» وأمسك بلسانه فقال معاذ: ونحن مؤاخذون بما نقول يا رسول الله؟. فقال عليه الصلاة والسلام: «ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار، إلا حصائد ألسنتهم - أو قال على مناخرهم». ذلك أن اللسان صديق للإنسان إذا وجهه لذكر الله وتحميده وقراءة القرآن وكل عمل حسن وقول طيب، وعدوّ له يجني عليه الشر إذا أفلت زمامه، وانطلق بالخوض في أعراض الناس: غيبة ونميمة، وبهتاناً وكذباً، وتحريشاً، وهذه الأعمال السيئة من اللسان تورث الندامة والخسارة، وقد تبطل العمل، علاوة على الرصيدالكبير من السيئات، مع الخسارة التي لا تضاهيها خسارة بضياع الحسنات، وتوريث العداوات بين المسلمين.. - والحرص على عمل الخير، وتلمس مداخله والطرق المؤدية إليه، ومنها المكسب الطاهر، لأن الدعاء لا يستجاب لمن مكسبه حرام، وملبسه حرام وغذي بالحرام، فقد جاء رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، يطلب منه أن يدعو الله له، بأن يكون مستجاب الدعوة.. وقد أعطاه عليه الصلاة والسلام حكماً عاماً، له ولجميع المسلمين، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» أي طهره من الحرام أياً كان مدخله، ومداخل الحرام كثيرة منها: الربا والحيلة، والتجارة في المحرمات، وغش المسلمين، والسرقة والظلم، وأكل مال اليتيم وغيرهذا. - وضبط النفس عن النوازع السيئة، وكبحها عن ارتكاب ما نهى الله عنه من الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، ذلك أن النفس أمارة بالسوء، يحركها الهوى والشيطان.. للإضرار بصاحبها، وهو لا يدري، ولذا فإن من كان عنده إيمان ثقل أو خف، فهو في صراع داخلي: الإيمان وعامل الخير، يدعوانه للأمور الحسنة، ويحثانه على الطرق المؤدية إلى الخير، وأعماله من إحسان للناس بمعروف أو صدقة أوكلمة طيبة، وبر ومعروف، ونهي عن منكر، ودعوة إلى الله ورغبة في الإحسان. والقرين من الشياطين يحرك عامل الشر في الإنسان، فيدعوه إلى نقيض كل الأعمال الخيرة، وتهوينها في قلبه بغضاً لها، وشحاً بما في اليد وما يقدر عليه اللسان، حتى يوقعه في المهالك، ثم يتخلى عنه، لأن هذه مهمة الشيطان نحو ابن آدم، كما قال سبحانه: «كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال: إني بريء منك، إني أخاف الله رب العالمين، فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها، وذلك جزاء الظالمين» )الحشر الآيتان 16 - 17(. - ومراقبة اللسان عن النطق بالكلمات البذيئة، التي لا نفع فيها ولا خير، مما يجري على ألسنة الناس، لأن الكلمة ملكك إذا لم تخرج منك، وأحسنت توجيهها بوزنها ومعرفة دلالتها، ولكنها تملكك وتأسرك إذا خرجت منك، ويدخل في هذا كله ما نهى الله عنه، من تنابز بالألقاب، ودعوة الناس بأكره الأسماء، أو الألقاب إليهم، وغمزهم ولمزهم، قال سبحانه: «مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد» )ق آية 18(. والمثل العربي يقول: كم كلمة قالت لصاحبها دعني. وغير ذلك من أمور عاقبتها السيئات للإنسان، مما يحسبه بعض الناس هيناً، وأمره عظيم عند الله وعاقبته وخيمة، مما يحسن بالمسلم أن يتبصر فيه، ويضعه نصب عينيه دائماً. أدعية في كشف الكربات:- أورد التنوخي في كتابه )الفرج بعد الشدة( قال: حدثني عمرو السرايا قال: كنت أغير في بلاد الروم وحدي، فبينما أنا ذات يوم نائم، إذ ورد عليّ علج - وهو الكافر من الأعاجم - فحركني برجله، فانتبهت. فقال لي: يا عربي اختر، إن شئت مسابقة، وإن شئت مطاعنة، وإن شئت مصارعة، فقلت: أما المسابقة والمطاعنة، فلا بقيا لهما، ولكن مصارعة.. فنزل فلم ينهنهني أن صرعني، وجلس على صدري، وقال: أي قتلة تريد أن اقتلك؟ فذكرت الدعاء.. فرفعت رأسي إلى السماء، فقلت: أشهد أنك معبودي، وكل معبود ما دون عرشك، إلى قرار الأرض باطل غير وجهك الكريم، فقد ترى ما أنا فيه، ففرّج عني.. وأغمي عليّ.. فأفقت فرأيت العلج الرومي قتيلاً إلى جانبي. وقال عن ابن سعيدالبقال: كنت محبوساً في ديماس الحجاج، ومعنا ابراهيم التيميّ، فبات في السجن فأتي برجل فقال له: يا أبا اسحاق في أي شيء حبست؟. فقال: جاء العريف وتبرأ مني، وقال: إن هذا كثير الصوم والصلاة، وأخاف أنه يرى رأي الخوارج، فإنّا لنتحدث مع مغيب الشمس، ومعنا ابراهيم التيمي، إذ دخل علينا رجل السجن، فقلنا: يا عبدالله، ماقصتك، وأمرك؟. فقال: لا أدري.. ولكني أخذت في رأي الخوارج، ووالله إنه لرأي ما رأيته قط، ولا احببته ولا أحببت أهله، يا هؤلاء ادعوا لي بوضوء، فدعونا له به، فصلى أربع ركعات قد أحسن فيهن الركوع والسجود،ثم رفع يديه ودعا قائلاً: اللهم إنك تعلم أني كنت على تقصيري في طاعتك وإساءتي وظلمي واسرافي على نفسي، لم أجعل لك ولداً ولا شريكاً، ولا نداً ولا كفواً، فإن تعذّب فعدل، وإن تعف فإنك أنت العزيز الحكيم، اللهم إني اسألك يا من لا تغلطه المسائل، ولا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا يبرمه إلحاح الملحّين، أن تجعل لي في ساعتي هذه فرجاً ومخرجاً، مما أنا فيه، من حيث أرجو، ومن حيث لا أرجو.. وخذ لي بقلب عبدك الحجاج بن يوسف، وسمعه وبصره، ويده ورجله، حتى تخرجني من سجنه في ساعتي هذه، فإن قلبه وناصيته بيدك، يا رب يا رب. وأكثر في الدعاء، فوالله الذي لا إله غيره، ما انقطع دعاؤه حتى ضرب باب السجن، وقيل أين فلان؟!. فقام صاحبنا وقال: ياهؤلاء.. إن تكن العافية، فوالله لا أدع الدعاء لكم، وإن تكن الأخرى، فجمع الله بيننا في مستقر رحمته، فبلغنا من الغد أنه قد خلي سبيله وأفرج عنه )الفرج بعد الشدة 1: 261(.