أمير مكة يرفع التهنئة للقيادة بمناسبة ما تحقق من إنجازات في مسيرة رؤية المملكة 2030 بعامها التاسع    مدرب الأهلي: جماهيرنا سندنا لتخطي بوريرام التايلندي    هاتفياً... فيصل بن فرحان ووزير خارجية باكستان يبحثان الجهود المبذولة لتهدئة التوترات في المنطقة    ريال مدريد يلوح بالانسحاب من نهائي كأس ملك إسبانيا    القبض على (5) أشخاص في عسير لترويجهم (30) كجم "حشيش"    الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف يلتقي مديري عموم الفروع    "عبيّة".. مركبة تحمل المجد والإسعاف في آنٍ واحد    غدًا.. انطلاق أكبر فعالية مشي في المملكة «امش 30»    في الدمام ( حرفتنا حياة ) ضمن مبادرات عام الحرف اليدوية 2025    الصين تعفي سلعا أمريكية من الرسوم وتنفي كلام ترامب عن المحادثات    مدرب النصر "بيولي"هدفنا تحقيق اللقب الآسيوي    أمير الشرقية: رؤية المملكة 2030 حققت إنجازات نوعية تؤكد ريادة المملكة عالميًا    نائب أمير الرياض : ما تحقق من إنجازات في تحقيق رؤية المملكة 2030 مدعاة للفخر والاعتزاز    أمير القصيم يُنوّه بدعم القيادة لتحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030    "حديث المكتبة" يستضيف مصطفى الفقي في أمسية فكرية عن مكتبة الإسكندرية    إمام المسجد الحرام: الإيمان والعبادة أساسا عمارة الأرض والتقدم الحقيقي للأمم    إمام الحرم النبوي: حفظ الحقوق واجب شرعي والإفلاس الحقيقي هو التعدي على الخلق وظلمهم    الاتحاد في انتظار قرار بنزيمة    تنفيذ ورشة عمل لاستعراض الخطط التنفيذية للإدارات في جازان    هيئة تطوير وتعمير المناطق الجبلية بجازان تستعرض مشروع زراعة أشجار الصندل في "أسبوع البيئة 2025"    "الأونروا": نفاد إمدادات الدقيق والوقود ولقاحات الأطفال في قطاع غزة    مبادرة لرعاية المواهب السعودية في قطاع الجمال    الشيخ صلاح البدير يؤم المصلين في جامع السلطان محمد تكروفان الأعظم بالمالديف    اجتماعات الربيع لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لعام 2025 تواصل أعمالها    مخاطر في الذكاء الاصطناعي    رؤية 2030    تقلص الجليد القطبي    مملكة الخير والإنسانية    خشونة الورك: الأسباب.. التشخيص.. العلاج.. الوقاية    محافظ صبيا يشيد بجهود رئيس مركز العالية ويكرمه بمناسبة انتهاء فترة عمله    محافظ صبيا يكرم رئيس مركز قوز الجعافرة بمناسبة انتهاء فترة عمله    اللواء الودعاني يدشّن مشاريع تطويرية لتعزيز قدرات حرس الحدود    الاستثمار بالتراث الوطني    الشعر في ظل رؤية 2030    رئيس نادي الثقافة والفنون بصبيا يكرّم رئيس بلدية المحافظة لتعاونه المثمر    بلدية صبيا تدعو للمشاركة في مسيرة المشي ضمن مبادرة #امش_30    8 ميداليات حصيلة أخضر البلياردو والسنوكر في بطولة غرب آسيا 2025    ذكاء اصطناعي للكشف عن حسابات الأطفال في Instagram    أطعمة للتخسيس بلا أنظمة صارمة    "سعود الطبية" تسجّل قصة إنقاذ استثنائية لمريض توقف قلبه 30 دقيقة    تنمية جازان تشارك في مهرجان الحريد ال21 بجزيرة فرسان    جيسوس: ينقصني الفوز بهذا اللقب    بناءً على توجيهات ولي العهد..دعم توسعات جامعة الفيصل المستقبلية لتكون ضمن المشاريع الوطنية في الرياض    جامعة بيشة تدخل لأول مرة تصنيف التايمز الآسيوي 2025    جامعة الفيصل تحتفي بتخريج طلاب "الدراسات العليا"    مؤشرات وأسواق    الرجيب يحتفل بزواج «إبراهيم وعبدالعزيز»    القبض على 5 باكستانيين بالرياض يروجون "الشبو"    ملك الأردن يصل جدة    10 شهداء حرقًا ووفاة 40 % من مرضى الكلى.. والأونروا تحذّر.. الاحتلال يتوسع في جرائم إبادة غزة بالنار والمرض والجوع    أكدا على أهمية العمل البرلماني المشترك .. رئيس «الشورى»ونائبه يبحثان تعزيز العلاقات مع قطر وألمانيا    لبنان.. الانتخابات البلدية في الجنوب والنبطية 24 مايو    خارطة طموحة للاستدامة.."أرامكو": صفقات محلية وعالمية في صناعة وتسويق الطاقة    ناقش مع الدوسري تعزيز الخطاب الإعلامي المسؤول .. أمير المدينة: مهتمون بتبني مشاريع إعلامية تنموية تبرز تطور المنطقة    9 أفلام يابانية في مهرجان أفلام السعودية    فرع وزارة البيئة بنجران يواصل فعاليات أسبوع البيئة 2025، "بيئتنا كنز"        أمير المنطقة الشرقية يرعى حفل تخريج الدفعة ال55 من طلاب وطالبات جامعة الملك فهد للبترول والمعادن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"منبر الحرمين": التنادي إلى العصبيات وإهاجة النزعات تقصي الحاج عن مقصده
نشر في الشرق يوم 11 - 09 - 2015

أوصى إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور أسامة بن عبدالله خياط المسلمين بتقوى الله عز وجل والإعداد ليوم ملاقاة الله والتزود بخير زاد.
وقال فضيلته في خطبة الجمعة التي ألقاها بالمسجد الحرام : " إنَّ رغبةَ المؤمن في الخير وسموَّ همته إلى بلوغ الدرجات العلى، والمنازل الرفيعة من رضوان الله، وكريم ثوابه لتَحمِلُه على سلوك سبيل الإحسان الذي وعد الله عليه بجميل الموعود وإنَّ في فريضة الله على عباده في الحج إلى بيته العتيق لأعظمُ مضمارٍ، وأوسعُ ميدانٍ، يستبقُ فيه المستبقون؛ لإحراز أوفى الحظِّ من ذلك الجزاء الضافي الذي أخبر به رسول الهدى -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله: "العُمرةُ إلى العمرة كفَّارةٌ لما بينهما، والحجُّ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة" [أخرجه الشيخان في صحيحيهما وأصحاب السنن في سننهم].
وبين أنَّ الإحسان في الحجّ ليبلغ بالمحسنين مبلغًا عظيمًا، إذ به يكون حجُّهم مبرورا، وهو الذي أداه صاحبه بإخلاص لله، ومتابعة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإنَّ العمل – كما قال الفضيل بن عياض – رحمه الله – : " إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا؛ لم يُقبل، وإذا كان صوابًا، ولم يكن خالصًا، لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا.
والخالصُ : أن يكون لله، والصوابُ: ما كان على السنة" فإخلاص الحاجِّ لله في أداء هذه الفريضة، يقتضي ألا يكون مقصودُه بحجه الفخرَ والمباهاةَ والسُّمعةَ، أو الثناء والمدح وحمل الألقاب، فكلُّ ذلك ممَّا ينافي إخلاصَ العملِ، وإرادةَ اللهِ بهِ، واللهُ تعالى لا يقبل من العمل ما خالطتْه إرادةُ غيرِه به، كما جاء في الحديث القدسي الذي أخرجه مسلم في الصحيح عن أبي هريرة-رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك فيه معي غيري، تركتُه وشركَه" ومنه-أيضًا- يا عبادَ الله: ألا يتغالى الحاجُّ في لباسه، أو في مركبه، أو في موضع نزوله وإقامته، أو في أي شأن من شؤون حجه؛ فإنه إنما خرج ابتغاءَ رضوانِ الله، ورجاءَ ثوابِه، ولم يخرج فخرًا، ولا رياءً، ولا مباهاةً لغيره من الحجاج.
وأردف يقول : " من الإحسان الذي يصير به الحج مبرورًا: أنْ يتوخّى الحاجُّ الحلالَ الطيّبَ، ويجتنبَ الخبيثَ الحرامَ في نفقته؛ حذرًا ألا يُقبلَ حجُّه، ولا يستجاب دعاؤه، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحة عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ اللهَ طيّبٌ لا يقبل إلا طيبًا، وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، ثم ذكر الرجلَ، يطيل السفرَ، أشعثَ أغبرَ، يمدُّ يديه إلى السماء: يا ربِّ، يا ربِّ، ومطعمُه حرامٌ، ومشربهُ حرامٌ، وغُذِيَ بالحرامِ، فأنَّى يُستجابُ لذلك؟!".
وقال إمام وخطيب المسجد الحرام : " إنَّ مواقفَ الدعاء والضراعة والابتهال والمناجاة لله ربِّ العالمين، لتغمرُ حاجَّ بيت الله، وتحيط به، وتعرض له في كلِّ خطوة من خطواته، وفي كلّ شوطٍ من أشواط رحلته منذ مبارحة بيته، حتى يقضي مناسك حجه، وذلك يقتضي منه ومن غيره من إخوانه أنْ يُطيّبَ كسبَه، ويُطهّر مالَهُ، ويزكّي نفقتَهُ بالحلال الطيِّب ألا وإنَّ من الإحسان الذي يكون به الحجُّ مبرورًا : أن يجتنبَ الحاجُّ ما نهى الله تعالى عنه والرَّفثُ هو: غشيان النساء، ومقدماتُه، وما يتصل به والفسوق: شاملٌ لكلِّ المعاصي، سواءٌ ما كان منها بالقلب، كالشرك بالله، والنفاق، والحقد والحسد، والعجب والغرور وسائر ما قبُح من الأعمال التي مصدرها القلب، وكذا ما كان منها بالجوارح، كالكذب والشتم والقذف والعدوان وسائر محظورات الإحرام
وأوضح أن الجدال هو المماراة، والمنازعة، والمخاصمة؛ لطلب الغلبة، والانتصار للنفس، وإفحام المجادل وهزيمته، لا لأجل إظهار الحق، وبيان الصواب، وهداية الضال. وفيه: إشارةٌ إلى وجوب اجتناب كلّ ما يصرف الحاجَّ عن التفرغ لنسكه، والاشتغال بطاعته، وعن إحداث ما لم يأذن به الله، ولم يشرعه رسوله صلى الله عليه وسلم، من رفع الشعارات، والتنادي إلى العصبيات، وإهاجة النزعات المفرّقة المقصية للحج عن مقاصده السامية، وغاياته الحكيمة، وأهدافه الجامعة لكل خير، في العاجل والآجل.
وأكد أن كلُّ أولئك مما يجب على الحاجِّ اجتنابُه ليعود من حجّه نقيًّا من الذنوب، قد محاها اللهُ عنه، وغفرها له، كما جاء في الحديث الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قال: سمعتُ النبيَّ-صلى الله عليه وسلم- يقول: "من حجَّ، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع من ذنوبه كيومَ ولدته أمه".
وقال الشيخ الخياط أن من الإحسان في الحجّ أيضًا : أن يضرب الحاجُّ بسهم في أعمال الخير والبر: بالصدقة، وبذل المعروف للمحتاج، من الفقراء واليتامى والأرامل، ودعم المؤسسات والمراكز والجمعيات الخيرية؛ لإغاثة الملهوفين من المسلمين الذين عصفت بهم وبديارهم الحروب، ونزلت بهم البلايا، وتكالبت عليهم الأعداء، وتقطعت بهم السبل، فغدوا لاجئين مشرّدين، ونازحين بائسين.
وأشار فضيلته إلى أن الله عز وجل وعد المنفق في وجوه الخير بأحسن جزاء، وأكرم ثواب، كما وعده بالإخلاف عليه؛ لقاءَ بذله لله؛ رجاءَ ما عنده، وإنَّ النفقة في الحجّ والعمرة لهي مما يؤجر عليها صاحبُها بقدرها، كما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها في عمرتها: "إنَّ لكِ من الأجر على قدر نصبك أو نفقتك" وهو-أيضًا- من صور العناية بأمر الإخوة في الدين، والقيام بحقوقهم، والمساهمة في رفع كابوس المحن عن كواهلهم؛ ليكون المجتمع المسلم جديرًا بذلك التشبيه البليغ الذي جاء على لسان نبي الرحمة -صلوات الله وسلامه عليه- بقوله : "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى". [أخرجه الإمام مسلم في الصحيح من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما] وقوله- عليه الصلاة والسلام- : "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُّ بعضه بعضًا" وشبّك بين أصابعه. [أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه].
وتحدث إمام وخطيب المسجد الحرام عن فضائل أيام عشر ذي الحجة، التي أخبر رسول الهدى-صلوات الله وسلامه عليه- عن عظيم فضلها ووكريم ثواب العامل المُجدِّ فيها، بقوله عليه الصلاة والسلام : "ما من أيّامٍ العملُ الصالحُ فيها أحبُّ إلى اللهِ عزَّ وجلَّ من هذه الأيام – يعني: أيام العشر- قالوا: يا رسول الله! ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: "ولا الجهادُ في سبيل اللهِ، إلا رجلٌ خرج بنفسه وماله، ثمَّ لم يرجع من ذلك بشيءٍ" [أخرجه البخاري في صحيحة وأبو داود والترمذي وابن ماجه في سننهم] وإنَّه لفضلٌ كبيرٌ، يا له من فضل! أفلح من اغتنمه، واهتبل فرصته، واجتهد في مرضاة ربِّه، وتزكية نفسه.
وفي المدينة المنورة
حثّ فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ عبدالمحسن بن محمد القاسم، على اغتنام فضائل أيام العشر من ذي الحجة، التي هي أعظم الأيام عند الله جل وعلا، مورداً ما يشرع فيها من العبادات والأذكار والصدقات والتقرّب إلى الله بالتوبة والإنابة إليه.
وقال فضيلته:" إن التفاضل بين الليالي والأيام داعٍ لاغتنام الخير فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم حثّ على اغتنام نعم هي زائلة لا محالة، فقال صلى الله عليه وسلم : " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ شَبَابَكَ قَبْلَ هَرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغُلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ" رواه البخاري، وقد أظلتنا عشر ذي الحجة، أقسم الله بلياليها فقال سبحانه : "وَالْفَجْرِ وَلَيَالٍ عَشْرٍ"، وهي من أيام الله الحرم، وخاتمة الأشهر المعلومات التي قال الله فيها "الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ"، وأن نهارها أفضل من نهار العشر الأواخر من رمضان، قال صلى الله عليه وسلم : (( أفضل أيام الدنيا أيام العشر)) رواه ابن حبان
وأوضح إمام وخطيب المسجد النبوي أن فضيلة عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيها، من الصلاة وصيام التطوع والصدقة والحج، فلا يتأتي ذلك في غيرها، وكل عمل صالح فيها أحبّ إلى الله من نفس العمل إذا وقع في غيرها، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من أيام العمل الصالح فيها أحبّ فيها من هذه أيام العشر، قالوا يا رسول الله : ولا الجهاد في سبيل الله، قال : ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع بشيء" رواه البخاري.
وأضاف أن العمل في أيام العشر أحبّ إلى الله من العمل في أيام الدنيا من غير استثناء منها، إذ كان السلف رحمهم الله يجتهدون في الأعمال الصالحة فيها، فكان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت عشر ذي الحجة اجتهد اجتهاداً حتى ما يكاد يقدر عليه، مبيناً أن من فضل الله وكرمه تنوعت فيها الطاعات، ومما يشرع فيها الإكثار مستشهداً بقوله تعالى "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ ". قال ابن عباس رضي الله عنهما : (هي أيام العشر).
وقال إن ذكر الله سبحانه من أفضل القربات، لقوله عليه الصلاة والسلام ((ما من أيام أعظم عند الله ولا أحبّ إليه من العمل فيهن من هذه العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)) رواه أحمد.
وأورد فضيلته قول الإمام النووي رحمه الله (( يستحب الإكثار من الأذكار في هذه العشر زيادة على غيرها، ويستحب من ذلك في يوم عرفه أكثر من باقي العشر)) وأفضل الذكر تلاوة كتاب الله فهو الهدى والنور المبين.
وعدّد الشيخ عبدالمحسن القاسم، الشعائر والأعمال التي يشرع القيام بها في أيام عشر ذي الحجة، ومنها التكبير المطلق في كل وقت، إذ (( كان ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما، يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما)) رواه البخاري، ويشرع التكبير المقيّد عقب الصلوات من فجر عرفة للحجاج وغيرهم، قال شيخ الإسلام رحمه الله (أصحّ الأقوال في التكبير الذي عليه جمهور السلف والفقهاء والصحابة والأئمة أن كبّر من فجر عرفه إلى آخر أيام التشريق عقب كل صلاة".
وذكر أن مما يستحب في العشر صيام التسعة الأولى منها، فقد قال النووي رحمه الله (إنه يستحب استحباباً شديداً)، وكذلك الصدقة إذ هي عمل صالح، بها تفرج قلوب، وتزول أحزان، وخير ما تكون في وقت الحاجة، وشحيح الزمان.
وأفاد أن التوبة منزلتها في الدين عاليّة، فهي سبب الفلاح والسعادة، أوجبها الله على جميع الأمة من جميع الذنوب, فقال لمن ادعى له صاحبة وولدا " أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ" وقال تعالى للمؤمنين "وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
وأكد فضيلته عظم الحاجة إلى التوبة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل الله في اليوم مائة مرة أن يتوب عليه، فقال عليه الصلاة والسلام " يا أيها الناس توبوا إلى الله فإني أتوب في اليوم إليه مائة مرة" متفق عليه، كما أن خير الأيام على العبد يوم توبته، إذ قال عليه الصلاة والسلام لكعب بن مالك رضي الله عنه : "أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك" متفق عليه.
وقال فضيلته : ما أجمل التوبة في أحب الأيام إلى الله، ومن صدق في توبته على في الدرجات وبدل الله سيئاته حسنات، وأن في أيام عشر ذي الحجة حجُّ بيت الله الحرام، أحد أركان الإسلام ومبانيه العظام، قال تعالى : "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا"، وقال عليه الصلاة والسلام "أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا" رواه مسلم، والحج من أفضل الأعمال إلى الله، إذ سئل النبي صلى الله عليه وسلم : ((أي العمل أفضل؟ فقال : "إيمان بالله ورسوله، قيل ثم أيّ ؟ قال: "الجهاد في سبيل الله" قيل ثم أي. قال "حج مبرور)) متفق عليه.
وبيّن فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي أن الحج المبرور ليس له جزاءً إلا الجنة، به تحطُّ الذنوب والخطايا، قال عليه الصلاة والسلام :"من حج البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه" متفق عليه، وأن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء.
وقال الشيخ عبدالمحسن القاسم أن للحج حكم عظيمة، وغايات جميلة، ومقاصد نبيلة في الدين والدنيا والمعاش والمعاد، وأول تلك الحكم تحقيق التوحيد، فشعار الحجاج : "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك، ومن حمده تجريد الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله، قال تعالى : "وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ" كما قال عليه الصلاة والسلام "خذوا عني مناسككم" رواه مسلم، ومن حكم الحج " لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ " في الدنيا بما يصيبونه من خيرات، وفي الآخرة بدخول الجنة، "وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ".
وبيّن فضيلته أن الحج فيه تذكير بالرحيل عن الدنيا هذه فزمنه آخر أيام العام، وأدّاه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته، ودّع فيه صحابته، وأكمل الله له فيه الدين لأمته، وأنزل عليه يوم عرفة " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا".
وأفاد أن العاجز عن الحج لعذر، شريك للحجاج في الأجور إذا صدق نيّته، وربّما سبق السائر بقلبه السائرين بأبدانهم، وفي العشر يوم عرفه صيامه يكفّر السنة الماضية والباقية، لقوله عليه الصلاة والسلام "وما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفه" رواه مسلم، كما أن خير الدعاء دعاء يوم عرفه.
وقال أن أيام العشر فيها يوم النحر، أفضل أيام المناسك وأظهرها وأكثرها جمعاً، وهو يوم الحج الأكبر، قال سبحانه : "وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ" فهو أعظم الأيام عند الله، قال عليه الصلاة والسلام " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القرّ" رواه أبو داوود، وهو أحد يومي عيد المسلمين، يوم فرح وسرور بأداء ركن من أركان الإسلام، وقد يغفل الناس مع سرورهم عن ذكر الله، وحينها يكون الذكر أفضل، لقوله جل وعلا : " وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ " وهي أيام التشريق، وقوله عليه الصلاة والسلام "أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله" رواه مسلم.
وأضاف الشيخ عبدالمحسن القاسم أن في أيام النحر والتشريق عبادة مالية بدنية، وهي من أحبّ الأعمال إلى الله، قرنها سبحانه بالصلاة فقال عز وجل " فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ" وقد حثّ الله على الإخلاص في النحر وأن يكون القصد وجه الله وحده، لا فخر ولا رياء ولا سمعة، ولا مجرد عادة، فقال تعالى : " لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ "، كما ثبت "ضحّى النبي صلى الها عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده" متفق عليه.
وبيّن فضيلته مشروعية يقترض الرجل ليضحي، ويحتسب عند الخلف من الله، ولا ينبغي التذمّر من غلاء ثمنها فثوابها عند الله عظيم، ومن أراد أن يضحي حرم عليه أن يأخذ من شعره أو أظفاره شيئاً، لقوله عليه الصلاة والسلام : " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحّي" رواه مسلم.
وحضّ فضيلته على اغتنام مواسم الشهور والأيام والساعات، والتقرب إلى الله تعالى بما فيها من وظائف الطاعات، لنيل السعادة، والبعد عن النار وعذابها، والفوز بجنة عرضها الأرض والسماوات، ليهنأ العبد الحياة الطيبة والسعادة الأبدية، وختم خطبة الجمعة مورداً قول الله عز وجل "سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.