في روايته ذائعة الصيت (العجوز والبحر) يطرح الكاتب الأمريكي/ ارنست هيمنجواي فكرة رئيسة وهي أن الإصرار والشجاعة في مواجهة ظروف الحياة القاسية والمعقدة في نفس الوقت هو السبيل الأوحد للنجاح والوصول إلى الغايات. يقول على لسان الشخصية الرئيسية في الرواية سينتياجو : الإنسان لم يخلق للهزيمة، يمكن ان تحطمه ولكن لا يمكن ان تهزمه لقد وضع العجوز في ظروف لا يستطيع ان يحتملها، بيد انه ووسط تراكم الصعوبات، يتغلب عليها بشجاعته وإصراره وتحمله, احيانا تبدو قوة العجوز من الاستحالة ان تصدق، فأي إنسان يستطيع ان يعاني مثلما عانى ثم يواصل حياته بنجاح. لن يستغرب أحد إذا عرف أن هيمنجواي اراد ل سينتياجو أن يكون استثنائيا، فهو غريب عن واقع الحياة، ولكن شخصيته يقصد منها إيضاح المتطلبات الصعبة للبقاء في عالم اقل ما يوصف به انه عدواني. يذهب بعض النقاد إلى ان شخصية سينتياجو غير موجودة حقيقة في الحياة الواقعية، وهذه النظرة صائبة تماما، وما يمكن قوله ان هيمنجواي لايريد ان يصور إنسانا من واقع الحياة ولكنه يجسد افكاره التي يدعو إليها. إذا استطاع العجوز ان يواجه الحياة وينجح كما أراد له الكاتب، ولكن ما مدى مصداقية افكار هيمنجواي؟ وكيف ان الانسان يتحطم ولا يهزم؟ إذاً ما معايير الهزيمة لدى هيمنجواي؟ والذي يبدو انه يعني بها اليأس والاستسلام، وعلاجها في هذه الحالة الشجاعة والإصرار على تحقيق الذات والمواجهة الفاعلة بدون تردد او تخوف, وهنا يقف سؤال آخر: كيف يتحطم الإنسان وما هو الفرق بين الانهزام والتحطم؟ ولو عدنا إلى الوراء قليلا وتفحصنا أدبنا العربي فسنجد على سبيل المثال لا الحصر حالة أبي العلاء المعري، ذلك الشاعر العملاق الذي حبس نفسه ليس في محبس واحد وإنما في محبسين , ابتعد عن المجتمع ونظر إليه نظرة قاسية متشائمة,, فهل هذا نوع من الانهزامية او التحطم؟ وهل هناك شبه بين شخصية العجوز والمتنبي شاعر العربية الاول الذي واجه الحياة وصعوباتها ومتاعبها بكل قوة وإصرار لتحقيق اهدافه, كان يرى نفسه اقوى الاقوياء وأذكى الأذكياء وأشعر الشعراء, كان يسافر بأمانيه من بلد لبلد ومن حاكم لآخر معتزا بنفسه ومفتخرا بشاعريته وواثقا بقوته,, ألم تؤد به تلك النظرة إلى نهايته المأساوية فقتله شعره قبل أن يدرك احلامه؟ يتضح لنا مما سبق ان الهزيمة التي يقصدها هيمنجواي هي الهزيمة النفسية وعدم القدرة على التواصل والتعايش مع المجتمع والإنتاج مع وجود القدرات والمهارات الكافية لذلك، اما عندما يتحطم الإنسان فإنه يصل إلى مرحلة من شلل التفكير العماد الأول لمواصلة الحياة، وسلب كل الأدوات لذلك، وهو ما انطبق بالفعل على هيمنجواي نفسه حيث أطلق النار على جمجمته من فوهة بندقية صيد كان يحملها عام 1961م عندما أحس أنه غير قادر على التفكير فقرر أن يجعل نهاية لحياته,, فما حققه في شخصيته الروائية الخالية لم يستطع ان يحققه في حياته الخاصة وذلك شأن الادب والأدباء.