أطلق عدد من المثقفين التساؤل الآتي: «إلى أين تريد أن تصل «جماعة حوار» في نادي جدة الأدبي بمحورها «جدل العلاقة بين المثقف والسلطة» هذا العام؟». هذا السؤال وسواه تداوله عدد كبير من حضور الأمسية الثالثة للجماعة، التي أقيمت مساء الثلثاء الماضي، بعد الإلغاء المفاجئ للأمسية الثانية، وكان من المفروض أن يقدمها المفكر الإشكالي حسن فرحان المالكي لأسباب لم تعلن. وقال حضور: «إن الجماعة ألزمت نفسها شيئاً ليس يلزمها، من خلال طرحها لهذا المحور الكبير والشائك واختيار أسماء كبيرة، كالمفكر حسن فرحان المالكي، ثم إلغاء أمسيته لأسباب غير معروفة»، مشيراً إلى أن في الأفق بوادر تأجيلات أخرى وخشية مستقبلية من تكرار الإلغاء لأمسيات الجماعة دون تبرير مقنع. وقدم الروائي عبده خال، خلال الأمسية، ورقة عن «الحلاج وفلسفة التصوف» والتي قالت عنها الناقدة فايزة الحربي إنها «بعيدة عن لبّ المحور الأساسي للمثقف والسلطة»، لافتة إلى أنه (خال) «تهرب من جوهر الموضوع واستعرض التاريخ، بدلاً من التركيز على الفكرة والجوهر». لكن المحاضر أوضح أن الصوفية «في حقيقتها انقلاب على السلطة ذاتها، وان السلطة الدينية ترى أن الصوفية تضييع لجهد الإنسان وانقلاب على جوهر الدين، ونعت هذه الفرقة بالتنطع»، مضيفاً أن بعض الفرق الإسلامية «ترى أنها قامت بالفكر الفقهي (علم الفقه) وحماية الإيمان من خلال (علم التوحيد)، في حين أن المتصوفة اتخذوا من مرتبة الإحسان ديدناً لهم»، مبيناً أن كل فرقة من الفرق الإسلامية «تدعي امتلاك الحقيقة وهذا هو السبب في النزاعات بين مختلف الفرق». واستعرض خال الجانب التاريخي لفرقة الصوفية، وقال: «إن أول من عُرف بالتصوف هو أبو هاشم الكوفي، ثم برز العديد من المتصوفة الأعلام كابن عربي وابن الفارض ورابعة العدوية». ثم تناول السيرة الحياتية للصوفي الكبير الحسين بن منصور الحلاج ونبوغه المبكر». وأوضح أن الحلاج «أوجد الصوفية كمنهج لا يراه أهل السنة والجماعة إلا خطراً وانه أداة هدم لا أداة بناء». وشخَّص المحاضر الفكرة الصوفية القائلة بوحدة الوجود والاتحاد، وقال: «إنها فكرة ممكنة إذا تحرر العقل من قيوده التي تقف ضده، ولكن البيئة تلعب دوراً مهماً أيضاً في التوجه الفكري»، مبيناً أن هذه الفكرة في حقيقتها «مأخوذة من الفكر المسيحي، وما يعتقده المسيحيون في النبي عيسى عليه السلام». في المداخلات، قال الدكتور زيد الفضيل إن المعارضة التي واجهها الحلاج «كانت مع السلطة الدينية وليست مع السلطة السياسية، وان التصوف هو منهج إنساني وليس مذهباً، بل هو فكرة البحث عن الحقيقة»، فيما رأت سهام القحطاني أن الصوفية «سريالية كما يمثلها الحلاج، وعقلية كما يعتقدها ابن رشد»، متسائلة: «متى ستصبح الصوفية فكراً مضاداً؟». وتساءل الدكتور عزت خطاب: «هل نحن نمتلك دراسة علمية أم نقلية عن التصوف الإسلامي؟»، في حين اعتبر عبدالله فراج الشريف «أن أعلى درجات التصوف هو الفناء، وان المتصوف لا يرى إلا الله»، مشيراً إلى أن هناك طائفة من أهل السنة والجماعة «حاربت الصوفية وليس كل أهل السنة»، مؤكداً أن «كل الفقهاء متصوفة وليس آخرهم الامام النووي». وتساءل الباحث عبدالحميد السباعي عن علاقة الحلاج بالسلطة، «إذا اعتقدنا بأنه ينتمي إلى المثقفين؟»، مشيراً إلى أن الصوفية «لم تكن ثابتة، بل كانت حركة متحركة».