قتل «إرنستو تشي غيفارا» الثوري الكوبي ورفيق كاسترو، الأرجنتيني المولد الذي درس الطب في جامعة بيونس آيرس وتخرج فيها العام 1953، أثناء محاولته تنظيم ثورة على الحكومة البوليفية. وتم القبض عليه بالتنسيق مع الاستخبارات الأميركية بعد اعتراف اثنين من معاونيه تحت وطأة التعذيب بأنه قائدهم. ففي 8 تشرين الأول (أكتوبر) 1967، وفي أحد وديان بوليفيا الوعرة هاجمت قوات الجيش المكونة من 1500 فرد، مجموعة غيفارا ذات ال 16 رجلاً، فظل غيفارا ورفاقه يقاتلون لمدة 6 ساعات، انتهت بمقاومة «تشي» وحده بعد موت من معه، إلى أن دمرت بندقيته وضاع مخزن مسدسه، ما يفسر وقوعه في الأسر حياً، وبعد 24 ساعة من أسره نفذ ضابط الصف التعليمات بإطلاق النار عليه، اذ الأوامر صارمة بعدم توجيه النيران إلى القلب أو الرأس كي تطول فترة الاحتضار، إلى أن قام رقيب ثمل بتصويب رصاصة نحو الجانب الأيسر لغيفارا أنهت حياته. ورفضت السلطات البوليفية تسليم جثته لأخيه أو تعريف أحد بمقبرته، حتى لا تكون مزاراً للثوار، ومع هذا فقد تحول غيفارا بموته إلى أسطورة، ورمزاً من رموز الثوار على الظلم. ففي عام 1968غضب شباب العالم وخرجوا إلى الشوارع يحملون صورته ويرددون شعاراته، وربما لو عاد الزمن بالأميركان لما أصروا على تنفيذ جريمتهم بعد أن أدركوا مع الوقت أنهم بفعلتهم تلك خلدوا الرجل. كلمة أخيرة: في السنة الأخيرة من دراسته في كلية الطب، قام غيفارا بجولة حول أميركا الجنوبية مع أحد أصدقائه على متن دراجة نارية، فتشكلت في تلك الرحلة ملامح وطنيته بمعناها العام، فإحساسه بوحدة أميركا الجنوبية، وبالظلم الكبير الواقع من الإمبرياليين على المزارع اللاتيني البسيط، قاده إلى ما قاده إليه. والسؤال وبعد قراءاتي المطولة للسير الذاتية لانتفاضات البشر على أوضاعهم المزرية: لماذا لا يعرف الإنسان قيمة ما يرفل به إلا إذا فقده؟! والمقصود بالكلام أبناء وطني قبل غيرهم، فنحن ولله الحمد لسنا بحاجة إلى ثورة لكي نأكل، ولا بالنوم مع المسدسات كي ننعم بالأمان، ولا ب «التقطع» والتشرد في الصحارى والوديان كي نقتص لحقٍ أو نُسْمِع صوتاً، كل ما نحن بحاجة إليه أن نفهم معنى أن نحيا أكثر، فأن تعيش لا يعني أنك تحيا، (لن تعرف الفرق إلا إذا فعلاً أحييت حياتك)، فالحياة تعني أن تتنفس، لا أن تسجن في قفصك. الحياة تعني أن تتيح لغيرك حرية القرار ولا تتدخل في حياته أو تحكم عليه. الحياة تعني أن تعبّر عن رأيك وقناعاتك بلا خوف وتخوين وتكفير. الحياة تعني أن تمشي في شارع مدينتك ولا تتحسر، وتتمنى شوارع أخرى لأماكن أخرى لا تنتمي لوطنك. الحياة تعني أن تتصرف بعفويتك مع عائلتك وأصدقائك بلا نظرات فضولية وتعليقات مؤنبة. الحياة تعني أن تُقَوَّم بعقلك وعلمك وسلوكك، لا بثيابك وسيارتك وأقاربك وأجداد أجدادك. الحياة هي أن «تختار» وطنك بإرادتك حتى لو كنت تملك أن تحيا في غيره. فهل الحياة أكبر منا أم نحن الأصغر؟ قالوا: «لن يكون لدينا ما نحيا من أجله، إن لم نستعد أن نموت من أجله» (غيفارا). [email protected]