عزا مراقبون إسرائيليون عدول رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو عن شرطه لاستئناف المفاوضات مع الفلسطينيين باعترافهم بإسرائيل دولة يهودية، إلى «الرياح الباردة» التي تهب من واشنطن التي سارعت إلى تأكيد رفضها الشرط الإسرائيلي، ثم إلى «الاعتذار» عن استقبال نتانياهو في البيت الأبيض خلال الزيارة التي كانت مقررة له مطلع الشهر المقبل للولايات المتحدة للمشاركة في المؤتمر السنوي للجنة العلاقات الخارجية الأميركية الاسرائيلية (ايباك)، ما دفع به إلى إلغاء مشاركته ليسافر إلى واشنطن في 18 الشهر المقبل، بعد أن ينتهي من بلورة سياسة حكومته الجديدة ليعرضها على الرئيس باراك اوباما. وكان مكتب رئاسة الحكومة الإسرائيلية أصدر أمس بياناً قال فيه إن نتانياهو «مستعد لاستئناف مفاوضات السلام مع الفلسطينيين بلا شروط». وأضاف أن نتانياهو لم يضع أبداً الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية كشرط مسبق للتفاوض والحوار مع الفلسطينيين كما أفادت أوساطه في ختام لقائه الخميس الماضي المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل. لكن البيان تضمن تلاعباً لفظياً إذ أضاف أن الاعتراف بإسرائيل دولة يهودية «شرط للتقدم» في المفاوضات مع الفلسطينيين للتوصل إلى تسوية سلمية. وجاء في البيان أن هذا الاعتراف هو «قضية مبدئية أساسية ومقبولة على نطاق واسع في اسرائيل وفي العالم، ومن دونها يستحيل التقدم في عملية السلام والتوصل الى اتفاق سلام». وزاد «ان اسرائيل تنتظر من الفلسطينيين ان يعترفوا بها على أنها دولة الشعب اليهودي». وأشار مراقبون إلى أن «تعديل» نتانياهو أقواله مرتبط بالرد الأميركي عليها، إذ أعلن ميتشل بكل وضوح وخلال زيارته رام الله أن «سياسة الولاياتالمتحدة تتركز على حل بدولتين تعيشان بسلام جنبا الى جنب، بلا إضافات أو تحفظات». كما أشاروا إلى معارضة وزير الدفاع الإسرائيلي زعيم «العمل» ايهود باراك أيضاً اشتراط استئناف المفاوضات باعتراف الفلسطينيين بإسرائيل دولة يهودية، وإن اتفق مع رئيس حكومته على أن هذا الاعتراف ضروري عندما يتم التوصل إلى تسوية سلمية. «الرياح الباردة» من واشنطن وكتب المعلق المخضرم في «هآرتس» عقيبا إلدار أمس أن شرط نتانياهو ليس واقعياً، وأن احتمالات ايجاد زعيم فلسطيني يقبل بهذا الشرط مساوية لفرص أن يعلن نتانياهو مسبقاً أن «جبل الهيكل» (المسجد الأقصى المبارك) سينتقل الى سيادة إسلامية. وأضاف أن نتانياهو يعرف أن طرح شرط «يهودية الدولة» هو بمثابة «ورقة رابحة» على الصعيد الداخلي كونه مقبولاً من كل الأحزاب الصهيونية بما فيها اليسارية، لكنه أدرك لاحقاً كما يبدو انه لن يجد أي جهة دولية تقبل به، «ولا حتى واشنطن التي وإن كانت ترى في إسرائيل دولة يهودية، لكنها لا تتوقع من الفلسطينيين الانضمام إلى جوقة نتانياهو قبل ان يلفظ الأخير جملة دولتين للشعبين». وختم الكاتب: «يبدو أن الرياح الباردة الآتية من واشنطن المتمثلة بدعوة العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني إلى البيت الأبيض ليكون الضيف الأول من الشرق الأوسط الذي يزور البيت الأبيض (منذ انتخاب اوباما)، والقول الحازم للرئيس الأميركي بأن إعلان أنابوليس ما زال حياً وقائما، فعلت مفعولها ليدرك نتانياهو أنه لا يمكنه أن يضع امام اوباما شروطاً، سواء مسبقة أو متأخرة». في غضون ذلك، أفادت صحيفة «معاريف» أن نتانياهو قرر الامتناع عن التقاء مسؤولين دوليين كبار قبل أن ينتهي من بلورة سياسة حكومته، ليعرضها بعد نحو شهر على الرئيس الأميركي. ونقلت عن أوساطه أنه توجه إلى الرئيس شمعون بيريز بطلب أن يحل محله في مؤتمر «ايباك». وأشارت الإذاعة العسكرية إلى أن اختيار بيريز، لا وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، لتمثيل إسرائيل في المؤتمر جاء «لكونه قادرا على تقديم خدمة أكبر لإسرائيل في هذه الظروف وتسويق حكومة نتانياهو بشكل أفضل». كما توجه نتانياهو إلى بيريز بطلب استبداله والتقاء كل من العاهل الأردني والرئيس حسني مبارك اللذين وجها إليه دعوة لزيارة بلديهما، متوقعاً منه أن يقوم بالمهمة ذاتها: تسويق الحكومة الجديدة. زيارة سليمان لإسرائيل في غضون ذلك، يعد نتانياهو لاستقبال مدير المخابرات المصرية اللواء عمر سليمان الذي يصل إلى إسرائيل غداً. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن «المطبخ الثلاثي» المتشكل من نتانياهو وباراك وليبرمان بحث في اجتماعه أول من أمس، بحضور رؤساء الأذرع الأمنية، فرص استئناف الاتصالات غير المباشرة مع حركة «حماس» بوساطة مصرية في شأن الوضع في قطاع غزة. ونقلت عن باراك تأكيده خلال الاجتماع على وجوب التوصل إلى وقف متواصل للنار في قطاع غزة من دون تحديد فترته الزمنية. وأضافت أن المطبخ السياسي لم يحسم موقفه بانتظار التوصيات التي سيقدمها وزير الشؤون الاستراتيجية موشي يعالون للمجلس الوزاري المصغر في سبل التعاطي مع «حماس». وتوقعت الصحيفة أن تتضمن أبرز التوصيات دعوة الى استئناف اغتيال قادة «حماس» ب «أعلى المستويات» في حال استؤنف إطلاق قذائف «القسام» على جنوب إسرائيل. وأضافت أن التوصيات لا تتضمن دعوة إلى القيام بعملية عسكرية واسعة في القطاع أو إعادة احتلال محور فيلادلفي والبقاء فيه لفترة طويلة. إنهاء مهمة ديكل إلى ذلك، توقعت أوساط سياسية أن يبحث أركان الحكومة الإسرائيلية مع اللواء سليمان ملف الجندي الإسرائيلي الأسير في قطاع غزة غلعاد شاليت، وسط انباء عن نية نتانياهو ابلاغ المسؤول الإسرائيلي عن ملف الأسرى عوفر ديكل إنهاء مهمته بداعي أنها استنفدت. وقالت الصحيفة إن نتانياهو أبدى تحفظات كثيرة من طريقة إدارة المفاوضات من جانب ديكل «التي لم تثمر نتيجة رغم السخاء الذي أبداه (رئيس الحكومة السابق ايهود) اولمرت». وكان الأخير قال في الجلسة الأخيرة لحكومته إن «حماس» فوّتت فرصة كبيرة للتوصل إلى صفقة تبادل اسرى مع إسرائيل، متوقعاً ألا يبدي نتانياهو سخاء كالذي أبداه هو.