يميل كثير من المراقبين الى القول إن العقد الأول من القرن الحادي والعشرين (والألفية الثالثة)، شهد بروزاً قوياً للبُعد التكنولوجي والمعلوماتي فيه. ولا يتردد هؤلاء في وصفه بالعقد الرقمي الأول في هذا القرن. فعلى رغم بدايته المضطربة بسبب ما عُرِف باسم «بقّة العام ألفين» («واي تو كيه» Y2K) وانهيار سوق «نازداك» أثر تساقط مجموعة كبيرة من شركات المعلومات، ما عُرف باسم «انفجار فقاعة الانترنت»، تحول «العقد الرقمي» Digital Decade كما وصفه بيل غيتس، الى مرحلة حافلة بزوبعة ابتكارات. ولم يتأخر جون إبيل، مدير مكتب مجلة «وايرد» Wired في نيويورك الذي تابع القفزات التكنولوجية التي سجلت في السنوات العشر الأخيرة، في وصف تلك الحقبة بأنها كانت عقداً نابضاً بالحيوية بالنسبة الى الانترنت والابتكارات الرقمية المتنوّعة. وفي حديث مع وكالة «فرانس برس»، أعرب إبيل عن اعتقاده بأن الناس لا وجود لهم بعد الآن، من دون العالم الرقمي. وقال: «حتى الجدات يملكن أجهزة ووسائل تجعلهن على اتصال مع العالم الرقمي، وإن كُنّ لا يدركن ذلك». واعتبر ديفيد بوغ، مُحرّر عمود التكنولوجيا في صحيفة «نيويورك تايمز» أن جهاز «آي بود» الذي طرحته شركة «آبل» في الأسواق بداية من 2002، أهم الأجهزة التي استحدثت خلال هذا العقد. «لقد أحدث «آي بود» ثورة فعلية في طريقة توزيع الموسيقى وتسويقها»، بحسب ما قاله بوغ الذي أشار أيضاً إلى أهمية كاميرا التصوير «فليب» الصغيرة من إنتاج «بيور ديدجيتال تكنولودجيز». وأوضح بوغ: «في غضون سنتين استحوذت هذه الكاميرا على ثلث السوق». وكذلك تحدث بوغ عن أهمية جهاز «جي بي أس» لتحديد المواقع على الأرض بواسطة الأقمار الاصطناعية، واصفاً إياه بالابتكار الذي غير الطريقة التي تسير بها السيارة، مُلاحظاً تأثيره إيجاباً على البيئة لأنه قلّص المدة التي يقضيها الناس في العثور على طريقهم. ومن الاختراعات الكبيرة على لائحة بوغ كذلك الهواتف الذكية التي تعمل باللمس مثل «آي فون» من شركة «آبل» الذي يحتوي على مجموعة كبيرة من البرامج الرقمية الذكية. «أصبح الهاتف الذكي كومبيوتراً صغيراً جداً أكثر من أي حاسوب، إضافة الى انه يرافق الناس، ويصلهم مع الانترنت في أي وقت»، بحسب ما قاله بوغ أيضاً. وأضاف: «إن ذلك شكّل ثورة فعلية... وقد انتشر أمر «آي فون» بسرعة خلال السنتين الأخيرتين». وكذلك لاحظ أن خليويات مثل «آي فون» و «بالم» وتلك التي تعمل بنظام «أندروييد»، ستكون أصغر وأقل سماكة مع بطارية تدوم لفترة أطول ومع مزايا أكثر وسرعة أكبر، خلال السنوات الخمس المقبلة». ووصف المرحلة الراهنة من تكنولوجيا الاتصالات بأنها تُمثّل القرون الوسطى من تطوّر الهواتف، لأنها مقبلة على تطوّرات أكثر جذرية. الكتاب الإلكتروني وأجهزته من الأجهزة الثورية التي تتصدر تصنيفات المحللين، جهاز «كيندل» Kindel الإلكتروني من شركة «أمازون.كوم» الذي ظهر في العام 2007، وسرعان ما تفوق على منافسيه في سوق الكتاب الرقمي. وقد شهد العقد الأخير كذلك تغيرات هائلة في شبكة الانترنت مع فورة مواقع التواصل الاجتماعي وإمكان الاتصال اللاسلكي بالانترنت. في هذا الصدد، قال إبيل إن محرك البحث العملاق «غوغل» صار شيئاً أساسياً في الحياة اليومية للناس، إذ أنه يرد على كل ما يخطر في بالهم. وأضاف إبيل انه عند نهاية عقد التسعينات من القرن العشرين، كان «تصميم صفحة ويب يتطلب موهبة ومؤهلات وبرامج متخصّصة، وكان الأمر في متناول الموهوبين وحدهم... وخلال العقد الأول من القرن 21، باتت الانترنت في متناول الجميع مع بروز مواقع مثل «ويكيبيديا» في 2001 و «ماي سبايس» في 2003 و «فايسبوك» في 2004 و «يوتيوب» في 2005 و «تويتر» في 2006. وفي السياق عينه، قال بوغ: «تتميّز مواقع الانترنت راهناً بالسهولة في تصفّحها، بحيث لا يحتاج ذلك الى أي مهارة... الأمر الرائع هو انها تجعل الاتصال بين أشخاص لديهم الاهتمامات نفسها سهلاً جداً وهؤلاء ما كانوا ليلتقوا أو أن يتصلوا في ما بينهم، من دون هذه الوسيلة». ولا يجرؤ حتى متابع متخصّص مثل بوغ على توقع ما قد يشهده العقد الرقمي المقبل من تطوّرات، إذ يكتفي بالقول: «ربما وُصِف من يحاول أمر كهذا بالغباء». وفي المقابل، من المعلوم أن بيل غيتس مؤسس شركة «مايكروسوفت» توقع غالبية الأحداث التي شهدها هذا العقد، بحسب ما يظهر في وثيقة نشرها في 2001 بعنوان «الانتقال الى العقد الرقمي». وحينها، كتب غيتس: «أينما تواجدتم ستملكون القدرة على السيطرة على من يتصل بكم والاطلاع على المعلومات لتعيشوا حياتكم بانفتاح أو بتكتم بقدر ما تشاؤون».