بحذر شديد، يقترب المتظاهرون الإيرانيون من المساس بالرموز الدينية ومنهج مؤسس الجمهورية الإسلامية، لم يرفعوا، حتى الآن، شعار إلغاء ولاية الفقيه (عدا بعض القوميين المتطرفين). مطالبتهم بتغيير المرشد خجولة، هذا ليس متوقعاً من رموزهم. جميعهم ساهم في تشييد النظام القائم. محمد خاتمي وحسين موسوي ومهدي كروبي والراحل حديثاً حسين منتظري وهاشمي رفسنجاني (إذا حسبناه مع المعارضة). جميعهم ينتمي إلى الطبقة السياسية الحاكمة بعد الثورة. جميعهم تحالف ضد بني صدر ومهدي بازركان، وغيرهما ممن تسلموا مسؤوليات بعد انتصار الثورة. جميعهم ساهم في إرساء النظام القائم. منتظري كان يفخر بأنه منظر مقولة ولاية الفقيه. كتابه في هذا الموضوع ما زال من أهم المراجع. إبعاده عن منصب المرشد واختيار خامنئي جعله في المعارضة. كان رمزها بسبب مكانته الدينية، وليس بسبب طروحاته الإصلاحية. لكن المعارضة المنتفضة في شوارع طهران ما زالت من دون برنامج يوحدها. هي خليط من رجال الدين المؤمنين بولاية الفقيه، المبعدين عن مركز القرار، والملحدين والملكيين، و»مجاهدين خلق»، والقوميين الآريين، والمرتبطين بالخارج. وبعض تجار البازار. خليط من تيارات ورموز يشبه كثيراً الخليط الثوري في السبعينات، مع فارق مهم. في السبعينات كان الخميني صاحب برنامج عمل واضح. هدفه إقامة جمهورية إسلامية، وضع أسسها النظرية والفكرية، بدلاً من حكم ديكتاتوري زاوج بين الشوفينية الفارسية والتوجه الغربي. وكان يعيش في عزلة عن شعبه. المتدينون ضده. الشيوعيون ضده. التجار ضده. كان سهلاً على الخميني، بسبب مركزه الديني وبرنامجه المتجاوب مع مشاعر الناس، أن يحرك الشارع. كان لشعار «الله أكبر الموت للشاه» الذي يتردد من على أسطح المنازل وقعه السحري. المعارضة اليوم تستعير الشعار ذاته ، مستبدلة الشاه بأحمدي نجاد (لا جد شاه وليس في المعارضة خميني). بعضها يحور شعار ثورة السبعينات «إستقلال . حرية. جمهورية إسلامية» ليصبح «إستقلال. حرية. جمهورية إيرانية». وترتفع شعارات قومية مثل «نحن آريون. لا دين مع السياسة». أو «لا غزة ولا لبنان أهب روحي لإيران». تتعدد الهتافات بتعدد طيف المتظاهرين الذين لا يجمعهم هدف واحد. أو زعيم واحد تجسد سابقاً في الخميني، ولا يجسده اليوم لا الموسوي ولا خاتمي ولا كروبي. لكن على رغم ذلك، لا يجوز الإستخفاف بالتظاهرات. هي مؤشر مهم إلى تحول في التوجه الشعبي في إيران، خصوصاً أن الإنقسام يطاول المؤسسة الدينية والطبقة الحاكمة. إنقسام يبدو بسيطاً في هذه المرحلة. لكنه قد يتطور إلى ما هو أخطر إذا اعتمد النظام المواجهة. وستكون له تداعياته في المنطقة. الإيرانيون يتحركون. والجميع ينتظر ما ستؤول إليه الأوضاع. جاءت التظاهرات بمثابة هدنة لإلتقاط الأنفاس في الخارج. شكلت مخرجاً مريحاً لإسرائيل وللولايات المتحدة والساعين إلى التصعيد في مواجهة الجمهورية الإسلامية. واشنطن ترى في الأحداث تحولاً كبيراً قد يضطر طهران إلى الإنكفاء على نفسها، أو إلى تغيير سياستها في المنطقة. ستفاوضها من موقع أقوى، فهي ليست مضطرة إلى تقاسم النفوذ معها لا في العراق ولا في غيره. وتتمنى أن تنتصر المعارضة. والدولة العبرية لم تعد في عجلة من أمرها لارتكاب حماقة الضربة العسكرية التي تلوح بها. الإنتظار سيد الموقف الآن.