شارك أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في الجلسة الافتتاحية للقمة العربية ال 26 المنعقدة حالياً في مدينة شرم الشيخ في مصر، تحت شعار "70 عاماً من العمل العربي المشترك". وألقى الشيخ تميم بن حمد آل ثاني كلمة قال فيها إن القمة العربية تنعقد "في ظل أوضاع اقليمية ودولية معقدة، وتحديات خطيرة تواجهها امتنا العربية، وتأتي القضية الفلسطينية في مقدمة هذه التحديات فلن يتحقق السلام والاستقرار والامن في منطقتنا الا بالوصول الى تسوية عادلة وشاملة تستند الى قرارات الشرعية الدولية والعربية وفق مبدأ حل الدولتين". وقال: "أود فى البداية أن أعرب عن بالغ التقدير لجمهورية مصر العربية الشقيقة رئيساً وحكومة وشعباً على الجهود المبذولة لإنجاح هذه القمة وعلى حسن الاستقبال، كما أتوجه بالشكر والتقدير إلى أمير دولة الكويت الشقيقة الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح على ما بذله من جهود مخلصة وبناءة أثناء ترأسه أعمال القمة السابقة". وهنأ الشيخ تميم الشعب العماني بعودة السلطان قابوس بعد رحلة علاجية ناجحة، مقدماً شكره إلى الأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور نبيل العربي وكافة مساعديه "على جهوده الدؤوبة لخدمة العمل العربي المشترك". وأوضح أن القمة العربية ال 26 تنعقد "في ظل أوضاع إقليمية ودولية معقدة، وتحديات خطيرة تواجهها أمتنا العربية، تاتي القضية الفلسطينية في مقدمتها"، مشيراً إلى ان "السلام والاستقرار والامن لن يتحقق في منطقتنا إلا بالوصول إلى تسوية عادلة وشاملة تستند إلى قرارات الشرعية الدولية والعربية وفق مبدأ حل الدولتين، لافتاً إلى أن "السلام العادل والشامل خيارنا الاستراتيجي الذي حافظنا عليه طوال عقود إلا أن عملية السلام ما زالت تراوح مكانها منذ ما يزيد على 20 عاماً، بل وشهدت تراجعاً متواصلاً، فاسرائيل لم تزل مستمرة في اعتداءاتها على الشعب الفلسطيني، وكان آخرها عدوانها على قطاع غزة والحصار الجائر للقطاع، والاستمرار في عمليات الاستيطان والخطط الإسرائيلية المستمرة لتهويد مدينة القدس، كما عبر رئيس الوزراء الاسرائيلي أخيراً بوضوح تام عن رفضه قيام دولة فلسطينية وحاز معسكره على الأغلبية الانتخابية بعد هذا التصريح". وتابع: "لقد وصلت مفاوضات السلام بآلياتها المختلفة ومبادراتها المتعددة إلى منتهاها في ضوء التعنت الإسرائيلي المستمر، ولم تعد هناك جدوى من مواصلة هذا المسار الذي بات يغطي على العدوان والاستيطان، ولذلك فإننا ندعو مجلس الأمن الدولى إلى تحمل مسؤوليته الأخلاقية والقانونية، وأخذ المبادرة لتحديد الإجراءات والتدابير اللازمة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدسالشرقية، وفقاً للقرارات الصادرة عنا ذات الصلة وفي مقدمتها القرارات 242 و 338 بموجب نصوص الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة وضمن خطة عمل سياسية واضحة وفي إطار برنامج زمنى محدد". مؤكداً على "ضرورة التحرك العربي دولياً لوقوف الاستيطان ورفع الحصار عن قطاع غزة الذى يعاني أزمة انسانية غير مسبوقة فى التاريخ، جراء استمرار هذا الحصار الظالم الذى ينذر بعواقب وخيمة". وأشار الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى أنه "لا يجوز أن يتحول حصار الشعب الفلسطيني الصامد على أرضه إلى حال طبيعية. نحن نتوجه إلى المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل لرفعه، وعلينا نحن أيضاً أن نفعل كل ما في وسعنا لتسهيل الأمور على إخواننا الفلسطينيين. من جهتنا لم تعد شعوبنا تتقبل التناقض بين حديث الدول العربية عن عدالة القضية الفلسطينية والظلم اللاحق بالفلسطينيين من جهة، والقبول بما يعانيه الشعب الفلسطيني من جهة أخرى". وتناول القضية السورية قائلاً، إن "النظام السوري حول بلاده إلى ركام، وتشردت غالبية السوريين، وأصبح الشعب عرضة للغربة والمنافي في البحار والصحاري، وتعرض الأطفال إلى أهوال مشاهد القتل والدمار، في ما النظام سائر في غيه من دون رادع". وأضاف: "النظام السوري يمارس أكثر أشكال القتل الوحشية وأشدها بشاعة، بما في ذلك التعذيب حتى الموت، والأسلحة الفتاكة ضد المدنيين. لم يعد أمامنا إزاء هذا الوضع إلا أن نقف سوياً بحزم من أجل إيقاف الحرب ضد الشعب السوري نهائياً، بما يعيد الاستقرار ويوفر الامن والكرامة إلى اشقائنا السوريين، وعلينا أن نوضح بشكل قاطع أن هذا النظام ليس جزءاً من أي حل"، مشيراً إلى أن "الحل السياسي يعني تلبية مطالب الشعب السوري وإتاحة المجال أمام القوى المدنية السورية بجميع تياراتها إلى تشكيل حكومة انتقالية تعمل على تمهيد الطريق أمام الشعب السوري، لتحديد خياراته بنفسه في انتخابات حرة نزيهة وشفافة لرسم معالم مستقبله واستعادة وطنه وحريته وكرامته من دون خوف أو إرهاب". ولفت الأمير تميم إلى أن "الجامعة العربية طرحت في بداية التحرك الشعبي السوري حلاً سياسياً يؤمن تغييراً سلمياً توافقياً، وتسوية تشمل النظام نفسه كطرف فيها، ولكن النظام رفض وأطلق عملية الإبادة والتهجير ضد شعبه"، مؤكداً أن "على العرب والمجتمع الدولي القيام بالواجب الإنساني تجاه الشعب السوري في مناطق النزوح فى سورية أو مناطق اللجوء في دول الجوار، وتقديم كل أنواع المساعدات"، مشيداً بدور أمير الكويت الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح ودولة الكويت في "عقد المؤتمر الثالث لدعم جهود الإغاثة الإنسانية للشعب السوري الشقيق". وتساءل: "ألم يحن الوقت أن نسأل هل سنبقى ننتظر ما سوف يفعله الآخرون في سورية، لقد اتضح تماماً حدود فعلهم، ولم يعد ثمة مجال للتكهن والتحليل متى سوف نتحرك نحن العرب لإنهاء هذه المأساة بالتنسيق مع من يجب أن ننسق معه". وتطرق الأمير تميم بن حمد آل ثاني إلى الإرهاب، مشيراً إلى أن "العالم شهد خلال السنوات الماضية تنامي ظاهرة الإرهاب وامتدادها فى دول عربية عدة"، موضحاً أن الإرهاب أصبح "يمثل خطراً جدياً على الأمن الإقليمي العربي والأمن الدولي على حد سواء، موضحاً أنه "لايمكن فصل ظاهرة الإرهاب عن عوامل عدة تراكمت على مدى العقود الماضية، كاليأس من إمكان التغيير السلمي مع سد الدولة الأمنية احتمالات الإصلاح، وسياسة الإقصاء الطائفي والتهميش الاجتماعى وغيرها". وأضاف: "نحن جميعاً ندين الإرهاب بكافة أشكاله وصوره والواجب علينا جميعاً العمل على إجتثاثه من جذوره، لأنه يهدد مجتمعاتنا ووحدتها الوطنية ويشل قدراتها على العطاء والبناء والتفاعل الانساني والحضاري، والعمل على معالجة الأسباب ومواجهة العوامل التي أدت إلى بروزه، مع ضرورة التفريق بين الإرهاب ومقاومة الاحتلال وحق الشعوب في النضال من أجل تقرير مصيرها". وحول اليمن، قال أمير قطر: "انطلقنا من أن مخرجات الحوار الوطني الذي تم وفقاً للمبادرة الخليجية وبرعاية الاممالمتحدة تُشكل أساساً متيناً لمرحلة جديدة فى اليمن على أساس المشاركة بين جميع الأطياف على النحو العادل والمتكافئ، إلا أن الأحداث الأخيرة التي قامت بها جماعة انصار الله وبالتنسيق مع الرئيس السابق (علي عبدالله صالح) هي اعتداء على عملية الانتقال السلمي في اليمن، وتفريغ لنتائج الحوار الوطني من مضمونه، ومصادرة للشرعية السياسية، وتقويض مؤسسات الدولة"، مشدداً على أن "الأخطر من هذا كله أنها تزرع فى اليمن بذور ظاهرة مقيتة لم تكن قائمة فيه وهي الطائفة السياسية ولهذا تتحمل ميليشيات حركة أنصار الله والرئيس السابق على عبدالله صالح المسؤولية عن التصعيد الذي جرى أخيراً". وأضاف: "لقد بذلت مساعي حثيثة لدعوة المعتدين على عملية التحول السلمي إلى الحوار في الرياض، ولكن رفض الحوثيين ذلك، أما الرئيس السابق فحاول وضع شروط مسبقة ثم جرت بالتنسيق مع المملكة العربية السعودية دعوتهم إلى الحوار في الدوحة، فرفضوا أيضاً"، مشيراً إلى أن هذا "ليس مجرد خطأ ارتكبوه بل هو سلوك يعبر عن نهج مثابر في فرض الحقائق على الأرض بقوة السلاح. لقد توجه الرئيس اليمني الشرعي إلى دول مجلس التعاون وإلى الجامعة العربية طالباً حماية اليمن الشقيق وشعبه ومؤسساته واستقراره فلبي طلبه على خلفية هذه المعطيات". ودعا أمير قطر الاطراف والقوى السياسية كافة إلى تغليب مصلحة اليمن وشعبها واحترام الشرعية المتمثلة في الرئيس هادي وحكومته المعترف بها من المجتمع الدولي، وسحب الميليشيات من مؤسسات الدولة والأماكن العامة والعمل على استكمال تنفيذ العملية السياسية، لافتاً إلى أن "علينا جميعاً الاصطفاف إلى جانب الشرعية في اليمن ورفض سياسة فرض الأمر الواقع، من أجل الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره"، مؤكداً أن "قطر لن تدخر جهداً فى تحقيق ذلك بالتعاون مع الأشقاء". وشدد على أن "موقف قطر ثابت إزاء تطورات الأوضاع في ليبيا، وسيبقى داعماً للحوار الوطني بين جميع الأطراف انطلاقاُ من رؤيتنا في أنه لا حل عسكري في ليبيا، وأن المخرج الوحيد من تداعيات الأزمة هو حل سياسي يحترم إرادة الشعب ويلبي طموحاته المشروعة في الأمن والاستقرار ويهيئ الظروف لإعادة بناء الدولة ومؤسساتها بمشاركة جميع القوى السياسية والاجتماعية الليبية، من دون إقصاء أو تهميش، بعيداً عن التدخلات الخارجية"، مؤكداً دعم بلاده ومساندتها "للجهود التى تبذلها الاممالمتحدة ودول الجوار الليبي الهادفة إلى تفعيل الحوار الوطني بين جميع مكونات الشعب للوصول إلى حل سياسي يحقق تطلعات وآمال الشعب الليبي". وأكد الأمير تميم أن "التضامن مع العراق وتقديم الدعم والعون له في مواجهة الأخطار التي يتعرض لها مسؤولية عربية في المقام الأول، وذلك من خلال مساعدته على إطلاق عملية سياسية شاملة لتحقيق المصالحة الوطنية بين جميع مكونات الشعب، لتكريس نمط جديد من العلاقات السياسية والاجتماعية تزول فيها كل النزاعات المذهبية والطائفية والعرقية وتؤسس لمرحلة جدية تكفل مشاركة الجميع وتستجيب لتطلعات الشعب العراقي بجميع مكوناته، من أجل بناء وطن يتمتع فيه كل العراقيين بالحقوق المتساوية والمواطنة الكاملة والعيش الكريم، ومساعدته أيضاً على مواجهة الإرهاب، بما يحفظ سيادة واستقلال ووحدة أراضيه". وقال: "نحن ننظر بإيجابية تامة إلى الجهود الدولية لحل الخلافات مع إيران حول مشروعها النووى. هذا نهجنا دائماً في دعم السلام والاستقرار في منطقة الخليج"، مؤكداً "علاقة حسن الجوار مع إيران التي نعتبرها جزءاً لا يتجزأ من منطقتنا وأمتنا الإسلامية"، مشدداً على أن "علاقة حسن الجوار تقوم أيضاً على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأن تعدد الطوائف والمذاهب في أمتنا العربية هو مصدر ثقافي وحضاري، وجزء من هويتنا العربية المركبة وليس سبباً للتدخل في الشؤون الداخلية". وأوضح الأمير تميم ان "تحقيق التنمية لشعوبنا هي المرتكز الأساسي لاستقلال إرادتنا وقرارنا، وهي الضمان لحياة كريمة، ومكانة لائقة في الأسرة الدولية، لذلك يتعين علينا تحرير التنمية في بلادنا من الضغوط والمؤثرات الخارجية السلبية والنظام غير العادل للعولمة، وهو ما يتطلب تحقيق التكامل الاقتصادي الحقيقي بين دولنا العربية، ولاسيما في مجالات الامن الغذائي وتكامل سياسات التربية والتعليم، وتنمية المناطق المهمشة. لقد رأينا كيف اندمجت دول أخرى في تكتلات اقتصادية إقليمية للمحافظة على مصالحها، بينما جهودنا حتى الآن لم تحقق الوحدة الاقتصادية المأمولة". وختم بالقول: "مع انعقاد هذه القمة تكمل الجامعة العربية عامها ال 70، وخلال تلك العقود الطويلة شهدت المنطقة العربية والعالم تطورات عصفت بها أحداث جسام، ولا شك أن الجامعة العربية ظلت مستمرة في أداء واجبها بوصفها أملاً للشعوب العربية في تحقيق التضامن وتوحيد الصف، وظل الإيمان بدورها ومكانتها العامل الحاسم في بقائها واستمرارها، ولكن الجامعة لم ترتفع إلى مستوى آمال الشعوب وحاجات الأمة في هذه المرحلة التاريخية. آن الأوان لإصلاحها والارتقاء ببنيتها وهياكلها إلى مستوى التحديات التي تواجهها الأمة، فعند كل منعطف تاريخي يثبت أنه لا يكون معنا أحد كعرب إذا لم نكن نحن مع أنفسنا وإذا لم نفعل نحن ما يجب فعله. أسال الله العلى القدير أن تخرج هذه القمة بالقرارات التى من شأنها خدمة العمل العربي المشترك والوصول به إلى آفاق أرحب تحقق الطموحات التي تنشدها شعوبنا العربية".