في نهاية الشهر الفائت، انشدّت أعين الجمهور العربي الى شاشات التلفزة لمراقبة مباراة ال «كلاسيكو» في الدوري الإسباني بين ناديي برشلونة وريال مدريد. والمعلوم أن الناديين الإسبانيين يتمتعان بتأييد جمهور عربي واسع، نسجت لحمته الفضائيات العربية ودأبها على نقل المباريات العالمية لكرة القدم. ولعل الاهتمام الواسع جماهيرياً الذي لاقته المباراة ال «كلاسيكو» في العالم العربي، يشهد لتحوّل وئيد وبارز في ذائقة جمهور كرة القدم عربياً، بأثر من الاتصالات الحديثة. ظهر ذلك التحوّل بجلاء في محطات كبرى، لعل أقربها الى الذاكرة ما حدث في الفضائيات العربية مع «كأس أوروبا لكرة القدم 2008»، ثم لاقته الإنترنت قبل فترة وجيزة. ففي تلك المسابقة الكروية، أبرزت الشاشات الفضية أن الذائقة العالمية لجمهور كرة القدم العربي، باتت مكرّسة. واستجابت الصناعة المرئية - المسموعة لها بوضوح. فإضافة الى بث المباريات وتعليقاتها وتحليلاتها، وكذلك إرسال المندوبين والكاميرات الى ملاعب أوروبا، بثّت الفضائيات العربية مشهديات بصرية غير مسبوقة. وفي مجموعة من الإعلانات الأولى من نوعها عربياً، ظهرت مجموعات من الشباب العرب، بملابس المنتخبات المشاركة في الكأس الأوروبية، لتغني أناشيد مخصصة لتلك المنافسة. وأدّت كل مجموعة أغنيتها المصنوعة من إيقاع الأناشيد والموسيقى الوطنية في الدول الأوروبية المشتركة في الكأس. فمثلاً، على إيقاع نشيد ال «مارسييز» الشهير، أدت المجموعة المؤيدة المنتخب الفرنسي كلمات: «مع إنو هنري مش في أحسن حالاتو، وتورام راحت عليه. تريزيغيه هوه اللي حيلتنا. وسيسييه لا يعتمد عليه. وزيدان اعتزل من زمان. بس برضه، نشجع فرنسا». وللآسف، تعاون ضيق الأفق والميل الى المشاغبة وانتشار سلوكيات ال «هوليغانز» في جمهور كرة القدم في الجالية المغاربية، ليجعل من ذلك الغناء الكوميدي الطريف مدخلاً لتصرف مُسيء لفرنسا ونشيدها الوطني، ما أحدث ردود فعل شتى. وبملابس ال«ماينشافت» (المنتخب الألماني) وعلى إيقاع أوبرا «كارمينا بورانا» الشهيرة لكارل أورف، غنّت المجموعة التي يفترض تمثيلها للمشجع العربي لذلك المنتخب: «خلوا بالكو. خبّوا عيالكو. الألمان جايين سُخنين. شفاينشتايغر. والواد شنايدر. كأس العالم كان تمرين». وقبلها بقليل، عرضت الشاشات العربية إعلاناً عن كأس الأندية الأوروبية لكرة القدم، يظهر مجموعات عربية تؤدي عملها اليومي، مثل إجتماع إداري وتصليح سيارة في كاراج والذهاب الى صالون الحلاّق. ثم يبدأ بث المباريات الأوروبية، فتنزع تلك المجموعات عنها ثوب حياتها اليومية لتظهر تحتها القمصان المميزة لأندية الأوروبية مثل برشلونة وتشلسي وإي سي ميلان ورويال مدريد وغيرها. وتأخذ الحماسة المشجعين العرب للأندية الأوروبية الى حدّ التأثير على علاقات عملهم. فينفرط عقد الاجتماع، ولا يصلح الميكانيكي سيارة لمن يشجع ناديا منافساً لناديه الأوروبي، وكذلك الحال بالنسبة للحلاق الذي يُخرّب شعر مشجع النادي الأوروبي المنافس. وتضاف تلك المشهديات البصرية التي تصل الى الشاشات العربية للمرة الأولى، الى صيغ متنوعة من إهتمام الصناعة المتلفزة العربية بالكرة العالمية، مثل شراء الحقوق الحصرية للمنافسات، التي «ورثت» عمل أقنية التلفزة على بث المباريات العالمية. فتتوزّع مسابقات كرة القدم في الدوري والكأس في الدول الأوروبية، وكذلك البرازيل، على الفضائيات العربية، إضافة الى منافسات مثل كأس أوروبا في كرة القدم، وبطولة أبطال الدوري الأوروبي، ومسابقات الكونكاكاف في القارة الأميركية وكأس العالم وغيرها. لم يعد المشاهد التلفزيوني العربي محصوراً في المسابقات المحلية ولا في المسابقات التي تشارك فيها منتخبات العرب وأنديتها. وبات شائعاً قول أشياء مثل ان نادي برشلونة الإسباني هو الأكثر شعبية في العالم العربي، ينافسه مانشستر يونايتد ورويال مدريد بقوة. وقبل أيام، بدت الإنترنت وكأنها إلتقطت هذا الخيط من التلفزيون، مع إطلاق النسخة العربية من موقع «غول.كوم» Goal.com العالمي. ويلفت أن النسخة العربية ليست «مُعرّبة» كروياً، بمعنى انها تحافظ على الإهتمام بالأندية والمنتخبات العالمية، خصوصاً الأوروبية، في كرة القدم. ويكاد يقتصر التعريب فيها على اللغة وحدها. ويحتفظ الموقع بالذائقة العالمية، حتى في الزاوية المخصصة للإعلانات على اليسار في أعلى صفحة الاستقبال. ويقتصر «التعريب»، بمعنى إعطاء الأولوية لكرة القدم العربية، على عمود ضيّق في يسار الشاشة يضم 3 زوايا هي «مميز جداً» و»معرض الصور» و»مختارات». وتظهر ملاقاة ميل الجمهور العربي لكرة القدم العالمية، عند مقارنة النسخة العربية لموقع «غول.كوم» مع مواقع عربية متخصصة في كرة القدم، مثل «كوررة.كوم» koora.com الذي يعتبر الأشهر عربياً. وتعلو ذلك العمود الأخبار والتعليقات المتصلة بأندية الدول العربية، التي تنال حصة الأسد والأولوية غير المنازع عليها في الموقع. والحال أن «كوررة.كوم» يبرز أيضاً أخبار الكرة العالمية، بأنديتها ومنتخباتها، ربما ليلاقي الميل الواضح للمشاهدين العرب في متابعة تلك الكرة.