تشهد ساحة الفنون في مونتريال العرض الأول لمسرحية «سوترا» (Sutra) الراقصة للمصمم والمخرج الراقص سيدي العربي شرقاوي (33 سنة)، وهو بلجيكي من أصل مغربي. وكان شرقاوي أمضى مع فرقته المؤلفة من 21 راهباً بوذياً بضعة أشهر في معبد «شاولين» الصيني عام 2008، للاطلاع على فنونهم وثقافتهم وطقوسهم، إضافة الى خمسة موسيقيين يتناوبون على آلات البيانو والكمان وتشيلو... وغيرها من أدوات العزف الشرقية والغربية. مشاهد سوريالية يضج المسرح طوال ساعة وربع الساعة بمشاهد غير مألوفة في فنون الرقص التقليدية والمعاصرة. وتسوده أجواء يطغى عليها الصمت والدهشة والذهول. فعلى أرضه ينتصب 21 صندوقاً خشبيا أشبه بتوابيت الأموات، يرافق كل منها راقص واحد ما عدا شرقاوي الذي يجلس بصحبة طفل يافع على أحد الصناديق المماثلة. وهي تتغير باستمرار وتتحول الى أشكال هندسية متنوعة: بيوت وأزقة وأسرة وسجون وملاجئ وجدران وأشجار. ورهبان يدخلون اليها تارة، ويخرجون منها تارة أخرى، وأجسامهم تتحرك في كل اتجاه برشاقة وخفة وحيوية لافتة. يعلون في الهواء حيناً ويهبطون على الارض حيناً آخر، يصرخون بلا ألم ويتبارزون من دون عنف ويلاحقون بعضهم بعضاً من دون أن ينبسوا ببنت شفة الى ان ينتهوا برسم لوحات فنية تبهر الأبصار. وكأن الجميع خرج من ذاكرته وتحرر من قيود الزمان والمكان وانغمس في لعبة هي أشبه بطقس ديني أسطوري تحركه لغة الجسد ليس إلا. أما الفرقة الموسيقية، فكادت تختفي عن أنظار المشاهدين وبدا أفرادها كأشباح متحركة، في حين لم تصاحب معزوفاتهم عروض الراقصين، بل اقتصرت على تتبع حركاتهم ومواكبة ايقاعاتهم، خلافاً للتقاليد الموسيقية الشائعة. والى ذلك، كان المسرح خالياً تماماً من الكلمات التي استبدلت بحركات الجسد بكل ما فيه من إيحاءات وايماءات هي أبلغ من النطق والتعبيرعما يربط الراقصين من تقارب في المعتقدات والثقافات والتعايش الحضاري والانساني. ويبدو ان هذه الخلفيات التي عاشها شرقاوي وأبوه في المغترب البلجيكي، كانت دافعاً للتقارب بين البشر وتجاوز الحدود العرقية والجغرافية والثقافية وتجسيدها في لوحات تجريدية راقصة للتعبير عن مخزونه الثقافي والفكري والفني. وهذا ما عبر عنه في مقابلة مع صحيفة «لو دوفوار» بقوله: «انا أحمل هوية ثقافية مزدوجة، والرقص عندي يجمع بين الفن والقلم، وأعمل على ترجمته الى خلفيات بعيدة عن الواقع»، مشيراً الى ان «الرقص هو لغة الجسد التي تساهم في بناء الجسور الثقافية والفنية بين الأمم والشعوب». وكشف انه يعد لعمل مسرحي راقص آخر تحت عنوان «بابل» سيكون جاهزاً عام 2010. باختصار، تعد مسرحية «سوترا» في مجملها لقاء بين ثنائيات متناقضة يجمع بعضها من حيث الشكل بين الداخل والخارج والنور والظلمة والصمت والصراخ والحركة والسكون، وبعضها الآخر، وهو الأهم، بين حيرة شرقاوي في الانتماء الى الشرق اوالغرب أو الى عالمه أو عالم الرهبان وقبوله أو رفضه له واندماجه في ثقافته أو الابتعاد عنها. ولكن هذه الثنائيات لا تلبث ان تتوحد في نهاية المسرحية ويتم قبول الواحد للآخر والاعتراف به، وتتوج ساحة المسرح برقصة روحانية شرقية هي أشبه بطقس صوفي مفعم بتناغم الروح والجسد أو بكتاب «من لحم وخشب»، بحسب تعبير جريدة «لا برس» الكندية.