مع انتشار المنتجعات السياحية الحديثة في تونس على طول السواحل الممتدة على مدى 1300 كيلومتر، بدأ التنافس بين المناطق على إقامة محطات جديدة تستثمر الميزات الطبيعية للمدن الساحلية ولا تقتصر على استقطاب السياح وإنما تمنح أبناء البلد أيضاً فرص الاستمتاع بجمال شواطئه خصوصاً في فصل الصيف. وبعد منتجعات القنطاوي والمنستير وحمامات، يجري حالياً التخطيط لإقامة مارينا حديثة شمالاً في مدينة بنزرت ومدينة جديدة جنوباً على ساحل جرجيس التي تقع قبالة جزيرة جربة أكبر الجزر التونسية، فيما تسند ظهرها للصحراء بكثبان رمالها المترامية وقراها الجبلية وقصورها البربرية القديمة. بحر وصحراء جرجيس هي واسطة العقد بين البحر والصحراء. مكان خرافي يتفيأ أهله ظلال النخيل الباسق ويعتاشون من الخضرة المنتشرة في بساتينه وحقوله، ويعشقون البحر في الآن نفسه على رغم الغزاة الكثر الذين أتوها متخفين بين ثنايا أمواجه. وعلى رغم أن السياحة بدأت هنا منذ فترة مبكرة فإن جربة استقطبت بفضل مطارها الدولي غالبية السياح الذين يتجاوز عددهم مليون سائح في السنة. غير أن جرجيس تستعد لأخذ حصتها من السياح بعد استكمال إنشاء المحطة الجديدة «للة حليمة» التي تشمل 90 هكتاراً. وتتألف المحطة من منطقة سياحية تشمل فنادق من فئتي أربع وخمس نجوم وكورنيشاً يمتد على مسافة أربعة كيلومترات لا تعبره السيارات وتمتد على جانبيه المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية، إضافة لمنطقة سكنية تضم فيلات وشققاً ومنطقة إدارية تشمل مصارف ومكتب بريد ومتاجر. وتوقع المهندس ياسين قانة المشرف على المشروع أن تساهم المحطة الجديدة في استقطاب السياح والزوار للمدينة. فإضافة إلى أبنائها الذين يعيشون في المهاجر الأوروبية والذين يُحبون أن يجدوا فيها أماكن راقية لتمضية إجازاتهم السنوية، ستستقطب السياح الأوروبيين الباحثين عن الشمس والرمال الذهبية والمياه الصافية والسياح الليبيين الذين لا تبعد عاصمتهم عن جرجيس أكثر من مئتي كيلومتر. وتوقع قانة في تصريح ل «الحياة» أن تُعطي المحطة السياحية دفعة قوية للتنمية في المدينة التي تشتمل أيضاً على منطقة للتجارة الحرة مفتوحة على الجزائر وليبيا، ومشاريع زراعية أهمها الزيتون والخضروات التي تُصدر إلى المحافظات المجاورة. قصور بربرية وسيُتيح استكمال إقامة المحطة السياحية تطوير السياحة الصحراوية بالنظر الى قُربها من القصور الصحراوية الشهيرة التي يحرص الأوروبيون على زيارتها على متن السيارات رباعية الدفع لتمضية يوم هادئ بين كثبان الرمال. وكانت القبائل العربية تسكن تلك القصور جاعلة منها قلاعاً لمقاومة الغزاة الأجانب والقبائل المنافسة، فأنشأتها من ثلاث طبقات خصصت إحداها فقط للسكن والثانية للخزين الذي يفي حاجة السكان من الزيوت والطحين والتمر على مدار سنة بأكملها، فيما خصصت الطبقة الثالثة لتخزين السلاح. وكان رجال القبائل يستخدمون القصر في مثابة حامية عسكرية، فالغرف ذات الطبقات الثلاث أو الأربع أحياناً، تحيط بفناء فسيح تتحصن داخله الأسر في فترات الخطر. وتقع هذه القصور على طريق القوافل التجارية التي كانت تتجه إلى أفريقيا السوداء في القرون الماضية. وينطلق منها السياح بعد استراحة قصيرة في جولات استكشافية متوغلين في كثبان الصحراء المترامية إلى ما أبعد من مرمى البصر، حيث يشعر المرء بأنه غادر هذا العالم وحلَّ في الكون الساكن المهيب الذي لا يعكر صفوه صوت إنسان ولا تحليق طائر. وأوضح المهندس قانة أن محطة جرجيس ستستفيد من قربها من جزيرة جربة التي تقع على العدوة المتوسطية المقابلة لها، فمطار جربة – مليتة سيكون أقرب نقطة لوصول السياح الأوروبيين والعرب إليها. كذلك ستستفيد جرجيس من فترات الطفرة السياحية لأن فنادق جربة عاجزة عن استيعاب أعداد السياح الذين يُقبلون عليها خصوصاً في فصل الصيف. ويمكن التنقل بين جربة وجرجيس بواسطة العبارات أو براً باستخدام الجسر الروماني العتيق الذي يُعتبر قطعة من التاريخ القديم للمنطقة.