بداية أود أن أشير إلى أنني أحمل في ثنايا قلبي تقديراً كبيراً لرئيس مركز الحوار الوطني الشيخ صالح الحصين، فهو رجل شديد التواضع والزهد، ويتناقل الناس روايات كثيرة عن ذلك، فقد روى الرواة أن سيارته القديمة تعطلت به ذات يوم وهو في طريقه لاجتماع مجلس الوزراء، إذ كان حينها وزيراً! كما تؤكد الروايات أنه يتصدق بكامل راتبه الحكومي حتى اليوم، وما زاد من تقديري لشخصه أنني حاولت أن أقبل رأسه ذات يوم فرفض رفضاً قاطعاً، وكان يحضر تلك المناسبة عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله المطلق، الذي لم يفلح هو الآخر في تقبيل رأس الشيخ مع أنه حاول بكل السبل واستخدم كل الاستراتيجيات الممكنة في منظر لطيف علق بذاكرتي إلى اليوم. ومع كل هذا فإنني سأستميحه عذراً لأخوض في جدل يهمنا جميعاً، ألا وهو ما قاله عن الوحدة الوطنية في محاضرته التي ألقاها بجامعة الإمام محمد بن سعود في 17 من الشهر الماضي، لأن ما قاله يتعارض تماماً مع مفهومي ومفهوم كل من أعرفهم عن الوطنية والوطن. بالنسبة لي فإن الوطن هو هذه الأرض الممتدة من طريف شمالاً إلى نجران جنوباً، ومن البحر إلى البحر غرباً وشرقاً، إذ إنني أعتبر هذا وطني الذي سأفديه وأدافع عنه بكل ما أملك وسأربي أبنائي على ثراه، بغض النظر عن جنس ولون ودين من يقيم على هذه الأرض، التي أعدها وطني ووطن آبائي وأجدادي. أما الشيخ الحصين فلم يربط الوطن بالأرض، بل ربطه بالجماعة وبالعقائد الإيمانية، وأكد على أن هذا المفهوم يسمو ب «الوحدة الوطنية» إلى أن تكون جزءاً من العقائد الإيمانية التي يلقنها النشء، وذلك – بحسب رأيه - لأن المواطنين في المملكة العربية السعودية «كلهم مسلمون يسلّمون بأن الإسلام لهم: منهج حياة، ويعتقدون مرجعية القرآن والسنة الصحيحة في توجيه هذا المنهج، لهم». بعد ذلك فصل الشيخ في مفهوم الجماعة وقال: «إنها عبارة عن دوائر تبدأ من الأسرة وتنتهي بالأمة»، وقال نصاً: «الجماعة في عقيدة المواطن السعودي دوائر تنداح كما تنداح دوائر الماء عندما تلقي فيه بالحجر، تبدأ دائرة صغيرة وتنتهي بدائرة عظمى اسمها «الأمة»، وفي داخل هذه الدائرة الواسعة توجد دائرة ضيقة نسبياً هي مركز الإسلام (الوطن السعودي)». كثيرون يعتقدون أن كل من يقيم على الأرض التي تسمى المملكة العربية السعودية ويحمل جنسيتها فهو أخ في الوطنية بغض النظر عن معتقده، ويخرج من ذلك من يقيم على أرض الوطن ولا يحمل جنسيتها، أياً كان معتقده أيضاً، أما على حسب مفهوم الشيخ فإن الأخوة الوطنية لا تشمل من يحمل جنسية الوطن إذا اختلف عنا في المعتقد، وقد تشمل من اتفق معنا في المعتقد حتى وإن كان لا يحمل جنسية الوطن. لا جدال في أن وطنية وإخلاص وولاء شيخنا الفاضل فوق كل الشبهات، إذ إنه كان ولا يزال محل ثقة ولاة الأمر، ولكني أخشى أن يستغل المغرضون هذا المفهوم الجديد للوطنية ليكون الأساس الفكري الذي يعتمدون عليه في تعاطفهم مع القاعدة، ما دام أعضاؤها يزعمون مشاركتهم لنا في المعتقد، ويرون أنهم يمثلون «الأمة» وأنهم جزء من «الجماعة»، خصوصاً وبين ظهرانينا تكفيريون صامتون لم ينبسوا ببنت شفة، على رغم كل الأعمال الإرهابية التي تعرض لها الوطن، كما أن هذا المفهوم قد يخرج من مفهوم المواطنة جزءاً غير يسير من فئات المجتمع التي تنتمي للوطن أباً عن جد ولم تعرف وطناً غيره. وختاماً أود أن اطرح نقطة جوهرية تتعلق بموقف المواطن السعودي في ما لو - لا سمح الله - هاجم بلدنا عدوّ يشاركنا في المعتقد، كما حصل أثناء غزو العراق للكويت، إذ من المؤكد أن موقف من يربط الوطنية بالأرض سيكون مختلفاً عن موقف من يربط الوطنية بالأمة. أليس كذلك؟ [email protected]