تصر وسائل إعلام وقوى سياسية مصرية على أن تشغل الرأي العام بأسماء ترى أنها تصلح للترشيح لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة بعد سنتين من الآن. يصحو المصريون من نومهم كل يوم على أخبارعن نية هذا الشخص أو ذاك الترشح لمنافسة مرشح الحزب الوطني الحاكم، سواء قرر الرئيس حسني مبارك ترشيح نفسه لولاية سادسة أو صدقت التوقعات عن ترشيح نجله جمال مبارك للمنصب. المهم أن الأمر تجاوز مظاهر الاعتراض على التمديد لمبارك وهو أمر تبنته حركة «كفاية» لسنوات، أو مسألة معارضة توريث الحكم الذي تتبناه الآن حركة «ضد التوريث»، التي تضم شخصيات سياسية بينها رموز من حركة «كفاية» أيضاً. وصل المشهد السياسي المصري إلى حد الافتعال وإخراج قضية الانتخابات الرئاسية من مضمونها الحقيقي. والملاحظ أن احداً من الذين طرحت اسماؤهم خلال الأيام الماضية لم يعلن نيته أو حتى عزمه التفكير في الأمر، وإنما هم دائماً يردون على أسئلة وجهت اليهم في حوارات صحافية أو لقاءات عابرة أو مقابلات تلفزيونية، وكانت الردود دائماً عمومية وتحوي إشادة بالرئيس مبارك ومكانته وتأكيد على حق ابنه جمال و «غيره» في الترشح. وحينما يأتي السؤال الذي يحتاج إلى إجابة محددة حول ما إذا كان لدى الشخص المعني النية لخوض الانتخابات فإن الإجابة تحمل أكثر من معنى، وغالباً ما تكون «ديبلوماسية» ولا تتضمن نفياً قاطعاً أو تأكيداً صريحاً على اعتبار أن الدستور «يكفل حق كل مواطن في الترشح». عموماً فإن غالبية الأسماء التي طرحت عبر وسائل إعلام في الفترة الأخيرة وبينها اسم العالم الدكتور أحمد زويل ومدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الدكتور محمد البرادعي والأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، كل هؤلاء تحول مواد الدستور دون ترشحهم، إذ يشترط أن يكون المرشح عضواً في الهيئة العليا لحزب قائم لمدة لا تقل عن سنة كاملة قبل موعد الانتخابات، والثلاثة ليسوا أعضاء أصلاً في أي حزب. أما المستقلون غير المنتمين لأحزاب فإن قواعد الترشح تشترط حصول المرشح على «كوتة» لعدد غير قليل من الأصوات من أعضاء مجلسي الشعب والشورى والمجالس المحلية والتي يحظى فيها الحزب الحاكم بالأغلبية، ناهيك عن أن اثنين من الثلاثة جاوز عمرهما السبعين أو انه يقترب منها قبل سنتين من الانتخابات. والحق أن غالبية الأحزاب القائمة لم تشارك في «زفة» الترشيحات على رغم مواقف بعضها من الحكم أو من ترشيح جمال مبارك، ربما لأن الأمر يحرجها بشدة، إذ سيبدو كأن الحزب الذي «يجري» وراء شخصية معروفة لإقناعها أولاً بالانضمام إليه ثم تصعيدها الى عضوية هيئته العليا لتتوافر فيها شروط الترشح وكأنه لا يضم شخصيات تصلح لخوض الانتخابات. والحاصل أن كل فئة في مصر صارت تجد أن شخصية عامة تحتل منصباً مرموقاً هي نموذج لرئيس المستقبل بغض النظر عن مؤهلات أخرى يتعين توافرها في الرئيس، بينها إقامته داخل البلاد لفترة كافية ليكون على صلة مباشرة بقضايا المواطن والمواطنين. وعلى رغم التعديلات التي أدخلت على المادة 79 من الدستور والتي حددت اختيار الرئيس بالانتخاب الحر بين أكثر من مرشح بدلاً من نظام الاستفتاء الذي كان معمولاً به في الماضي، فإن قيوداً شديدة ما زالت تجعل الترشح للانتخابات الرئاسية حكراً على اشخاص بعينهم سواء من الحزب الحاكم أو أحزاب المعارضة، وتجعل من ترشح المستقلين غير المنتمين لأي حزب مسألة شبه مستحيلة. وكان ينبغي بدلاً من استنزاف عقول الناس في الجري وراء أسماء لا تتوافر فيها شروط الترشح أصلاً، العمل على تخفيف تلك القيود ووضع القوانين التي تكفل توافر ظروف التنافس العادل بين كل المرشحين حتى لو كان بينهم الرئيس أو ابنه. لكن واقع الحال في الأوساط السياسية المصرية الآن يشير إلى أن جمهور الكرة ربما يطلب، في حال فوز مصر على الجزائر في المباراة التي ستجمع الفريقين يوم 14 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وتحظى باهتمام بالغ في كل الأوساط المصرية أكثر بكثير من كل أمور السياسة، ترشيح اللاعب محمد أبو تريكة الذي يحظى بحب وتقدير جمهور الكرة في مصر والعالم العربي، ليحكم مصر... «الرئيس أبو تريكه».